كنت قد عزمت على السياحة في شهرزور ، لمشاهدة تلك المنطقة من البلاد وهي أهم مناطق كردستان من الناحية الأثرية إلا أنني أجلت السياحة على أثر مرض نجل الباشا ، وقد تحسس لذلك كثيرا ، أما الآن وقد مر الزمن وبطؤ علينا الأمر فيجب أن نتهيأ للسفر إلى الموصل.
١٤ تشرين الأول :
ذهبت اليوم لأعزي الباشا. وكان ذلك واجبا صعبا بقدر ما كان ضروريّا وديّا وقد بدا لي بجلاء أن قلبه كاد يتفطر على الرغم من تجلده ومحاولته إخفاء ما يعانيه بكل رجولة. وقد صعب علي جدّا أن لا أشاطره أحزانه ، أو أن لا أشعر برهة كأنني فقدت ولدي. لم أر مطلقا فاضلا فياض الشعور والإحساس في أي بلد كالباشا ، إنه يحب زوجته وأولاده حبّا جمّا لا يضاهيه في ذلك إلا أحسن الرجال في أوروبا. وقد بدا عليه نوع من الذهول المخيف اعتراه بغتة فودعته وروحي مثقلة بالأحزان.
ذهبت لزيارة عثمان بك ، فوجدته جالسا في جوسقه الذي لم يتم بناؤه بعد ، وهو يتمتم بالصلوات ويسبّح بمسبحة ، وعلائم الجد تعلو محياه. ومن الجلي أن بعض الأمور كانت تشغل باله ، لكنها لم تكن كلها محزنة. كلمني عن كمنجة كنت أهديتها له قبل مدة ، ورجاني أن لا أنسى شراء الأوتار له. إن ثمة فرقا كبيرا بينه وبين الباشا.
ذهبت بعد الظهر لتعزية سليمان بك ، فوجدته متأثرا تأثرا لا يقل عن تأثر الباشا وإن ظهر أهدأ منه وأكثر جلدا فقدرته تقديرا زائدا على إحساسه ، وهو في الحقيقة فتى يستحق الاحترام إلا أن رزانته لا تتناسب مع عمره ، وهو متعلق كثيرا برجال الدين والدراويش وليس في تعلقه هذا مسحة من التقشف أو التعصب ، وهو يشبه في سيماه المرحوم عبد الرحمن باشا أكثر من شبهه بأخويه ، إذ إنّه أطول منهما وأكثر بدانة وعيناه الزرقاوان الجميلتان تعكسان على ملامحه صور الكرامة المطمئنة.