الوافر دون مبالاة ثمنا للخيول غير المعروفة الأصل. وهذه الرغبة أخذت تقضي على تشجيع توليد وتربية الخيول الكردية الأصيلة التي يمكن اعتبارها من أحسن الجياد وأقواها احتمالا للمشاق وأقدرها على أداء الخدمات للفروسية الباهرة. أما الآن فقد اندرست هذه الجياد تقريبا واستعيض عنها بالجياد الهجينة المستوردة من بغداد ومن البلاد المنخفضة. ولا تتناسل الخيول العربية في كردستان إلا نادرا. فمهورهم كلها من النوع الاعتيادي ولا تملك من مزايا الخيول العربية إلا القليل.
والكرد كشافون ماهرون وأكفاء في الحصول على المعلومات الكثيرة عن معسكرات العدو ، فهم يتسللون إلى قلبها بمهارة فائقة ، بل إلى خيمة آمرها بذاته. وعندما حاربوا باشا بغداد ، سهلت القضية سهولة عظمى لوجود عدد كبير على الدوام من جنود الكرد الاحتياط المضطهدين في الجيش التركي. وقال لي عبد الله باشا إن أخاه عبد الرحمن باشا أرسل في وقعة من الوقائع (١) كرديّا إلى معسكر باشا بغداد لكن الرجل لم يستطع الحصول على المعلومات التي كان يريدها فرأى من الأفضل أن يقبض على أحد جنود المعسكر ويأتي به أمام عبد الرحمن باشا ليستجوبه كما يريد. والكرد ميالون إلى الموسيقى ميلا شديدا وأغلب موسيقاهم حزينة ، وبعض قطعهم وأغنياتهم ك (مه لكي جان) و (مه ن كوزه به ناز) ـ الزاء الفارسية ـ و (ئه زده نالم) أغنيات رقيقة على بساطتها. وللكثير من أغنياتهم أدوار تتناوب. ونغمات الحصادين وهم يغنون (شيرين وفرهاد) أعادت إلى ذاكرتي أغنية أصحاب زوارق الغندول في البندقية وهم يرددون أغنية تاسسو.
__________________
(١) عندما كان عبد الرحمن باشا على فراش الموت ، قاسى أهله وأقاربه الصعاب في تهدئة باله وأعصابه في النزع الأخير إذ كان في حالة هياج شديد ، وهو يكرر القول بأنه يموت على فراشه بهدوء وحطة بينما كان يرغب في أن يكون نصيبه من الموت في ميدان الوغى والشرف. وهذا شعور لم يكن مما يظهره الشرقي كثيرا.