القسم المتعلق بهذه الخرائب على الأقل إنما كتب استنادا على الذاكرة. وهو يعترف فعلا بأنه لا يصف بقايا العاديات. غير أنه يجب عليه أن يتذكر أماكنها على الأقل إذا أراد أن ينوه عنها. هذا وإظهارا للحق ، عليّ أن أقول بأن هذا خطأ من الأخطاء القليل جدّا التي وقفت عليها حتى الآن في مذكراته التي يصف بها البلاد وصفا صحيحا يحمد عليه. وعند منتهى القرية ، مررنا بطريقنا بإمام (١) أو بمرقد صغير تعلوه قبة مخروطية الشكل ، كقبة السيدة زبيدة في بغداد (٢) ولكنها لا تضاهيها في طرازها وإتقان بنائها بأي حال من الأحوال. وقد أخبرنا القرويون عن وجود أنقاض كنيسة. وهذا يحتمل جدّا إذ إن هذا المكان ، كان مقرا لكرسي الأسقفية الكلدانية ، وجاء ذكر أساقفته في الأزمنة الممعنة في القدم.
وقد شاهدنا الخرابة التي أشار إليها الأهلون بأنها كنيسة ، على بعد ميل ونصف الميل أو الميلين عن يمين طريقنا. نظرت إليها بالناظور ولا قتناعي بأنها لم تكن ذات خطورة ، لم أضع الوقت في الذهاب إليها لمشاهدتها.
وسرنا أخيرا ، في السادسة والربع وكانت الأرض مكسوة كيوم أمس بالشيبة ـ الأفسنتين ـ (ويسمى بالتركية : ياوشان) وبالسعتر وبنباتات أخرى كثيرة ، إلا أنني لم أتعرفها لجهلي أمرها. وكان الأفسنتين يعبق برائحة منعشة ، تشرح الصدر ، كما رأينا الكثير من حقول الشعير وهي لا تزال خضراء ، وكان القرويون يتهيؤون لحصد بعضها.
كان طريقنا شماليّا (تاركا طريق كركوك إلى يسارنا) باتجاه سفوح التلال ، وأخذت تترآى لنا جبال حمرين عن يسارنا. وفي السابعة والثلث بلغنا قرية (جميلة) الصغيرة المشيدة من الطين ، ويعني الاسم بالعربية
__________________
(١) مرقد رجل صالح مسلم.
(٢) زوجة هارون الرشيد.