في العام الماضي على القرية فسلبوا ما سلبوا وحرقوا ما لم يستطيعوا حمله معهم ، وذلك للكيد بممتاري الجيش التركي ـ أي لمنعهم من التزود بالعلف للحيوانات. وإنني أعتقد أن القرويين في جميع أنحاء المملكة التركية يدفنون حبوبهم دائما في حفر أو آبار قريبة من قراهم ، إذا سترت وسويت الأرض من فوقها لا يمكن العثور عليها على الأغلب حتى من قبل الجيوش المحلية ، إلا إذا دلّهم عليها أحد.
ومن شرفة الدار التي نزلنا بها ، أسعفني الحظ لمشاهدتي (كركوك) ، وللتأكد من ذلك وجهت مرارا وباعتناء ، مرقب بوصلة المسح نحوها. والنقطة التي اتخذتها لرصدي كانت تل القلعة حيث يظهر قسم من المدينة تحته في المرقب بوضوح. وكان اتجاه قلعة (كركوك) ٢٤ درجة إلى الشمال الغربي. كنت أحرص على التأكد من المسافة على قدر ما يمكنني استنباطه مما يعلمني به الأهلون المحليون. أما تخميني لها بالرؤية المجردة فكان اثني عشر ميلا بخط مستقيم ، وأما عبد الله أفندي الذي ذهب مرارا إلى (كركوك) من (ليلان) مراقبا الوقت بساعته فيقول إن المسافة لقافلة بغال ثلاث ساعات ونصف الساعة ، وللخيال الاعتيادي ثلاث ساعات ، ولجواد في سير مكد ساعتان ونصف الساعة. وعليه يجب أن تكون المسافة عشرة أميال جغرافية. وبنتيجة الرصد الجيد ليلا ، تأكدت من موقع (كركوك) الصحيح. فمن تقاريري السابقة ومن تقارير السير (آر كير بورته رR.Ker Porter) اقتنعت بأن موقع كركوك قد رسم في خرائطنا نحو الغرب أبعد مما هو عليه في الواقع. وقد وجدت نفسي على صواب في الاتجاه الذي عينته لها.
والأرض بين (ليلان) و (كركوك) ، سهلة تماما ، وقد تبعثرت عليها بعض الطنوف الاصطناعية. ويرى المرء في بعض القرى قليلا من النخيل ، ولكنه لا يرى إلا القليل من البساتين. وتحد السهل من الغرب تلال (مطارا) ومن الشرق السلسلة التي سنعبرها غدا.