يكن في هذا الوقت إلا ساقية صغيرة لا بد وأن يصبح مسيلا عظيما عندما يمتلىء بمياه الأمطار. وكلما تقدمنا كلما شادنا انصباب سواق فرعية عديدة فيه. وكانت مغارس الأشجار تمتد على ضفتيه إلى مسافة ثلاثة أميال ، وشاهدنا بعض الكروم على جوانب التلال. أما الأرض فكانت مكسوة بالسعتر والآس والقصعين المورد ، وغير ذلك من أنواع النباتات الأخرى بين الأعشاب. وقد أخذ مستوى الأرض يرتفع ارتفاعا محسوسا كلما سرنا صعدا.
وقبل الثامنة قبل الظهر كان اتجاهنا شماليّا شرقيّا ب ٧٥ درجة. لقد ابتعدنا الآن من (ليلان) بالقرب من منبعه ، واجتزنا سلسلة التلال باتجاه شمالي غربي ، ومن قمم هذه التلال تنحدر الجداول إلى كردستان ، وهنا تنتهي سلطة ، (قه ره حسن) ، وتبدأ سلطة (السليمانية) فيها وفي التاسعة تقريبا بدأنا ننحدر بطريق مستقيم جدّا ، غير صعب ، وفي مدة عشرين دقيقة وصلنا إلى المحط الأول إذا أجاز لي أن أعبر عنه بهذا التعبير. وكانت ثمة على مرتفع عن يميننا بناية صغيرة ، وهي مزار يدعى (مقام خضر إلياس) (١) له مكانة مبجلة بين الكرد ، وهم يعتقدون أن من الإلحاد
__________________
(١) أو مرقد النبي إلياس. يعتقد المسلمون أن «إيليا» ـ إلياس ـ لم يمت ، وأنه ما زال على الأرض ، وسيبقى عليها حتى ظهور السيد المسيح. وأنهم ينعتون إلياس بال (خضر) أي الدائم الخضرة ، وذلك للحياة الدائمة ، أو الخالدة التي يتمتع بها ، وقد جعل بها في حالة ازدهار على الدوام في فردوس يقولون عنه قد يكون الجنة ذاتها. واستنادا على هذا الاعتقاد قال أحد الشعراء الأتراك معناه :
«إياك والاعتقاد بأن هذه الدنيا هي موطنك».
«إن موطنك الجنة وحدها ، فتمسك إذا بعرى الفضيلة لتصل إلى ذلك الموطن الذي يحيا فيه إلياس ، حيث هيّئ لك مكان فيه».
والقصة الطريفة التالية ، التي اقتبست من كتاب (المكتبة الشرقية ـ Bibliotheque ـ Orientale) لمؤلفه (ديربي لو ـ D ,herbelot ـ) لا بد وأن يقرأها كل مسيحي بمتعة واهتمام :