٨ أيار :
سرنا في الخامسة والدقيقة الأربعين بطريقنا متئدين ، طوار سفوح التلال نهبط تارة ونصعد أخرى ، فوصلنا إلى مضربنا بالقرب من السليمانية في السادسة والدقيقة الأربعين حيث استقبلني الكثير من السادة الكرد رجال محمود باشا. وبعد أن رحبوا بنا انصرفوا فورا ، إلا اثنان منهم استبقيا لملازمتنا للقيام على خدمتنا. وكنا نتوقع مكابدة بعض المتاعب من المتجمهرين ، وذلك لأن الكرد مشهورون بدقة الملاحظة وحب الاستطلاع ، ولأننا كنا أول جماعة أوروبية لم ير أكثرهم مثيلا لها من قبل ، غير أنه لم يقترب منا أحد إلا من كان واجبه يقضي عليه بذلك. وقد علمت أن ذلك كان نتيجة لأوامر محمود باشا التي نهت الكرد بشدة عن إزعاجنا. لم أهنأ بالراحة في هذا اليوم إلا قليلا ، وقد كانت نفسي ترزح تحت أعباء يصعب عليها تحملها. وما إن دخلت خيمتي وجلست فيها حتى وصل «تاتار» سريع (ساع) من استانبول (١) وكان بودي لو جاء في غير هذا الوقت ، ولأنه كان ينعى الملك أصبح لزاما علينا أن نبعث بالرسائل على الفور (٢). ولم أكد أستعيد هدوء بالي بعد مجيء التاتار حتى جاءني صديقي القديم كبير رجال عبد الله باشا ، وأعقبه محمود مصرف ، رئيس وزراء باشا السليمانية وهو شخصية معروفة في كردستان غالبا ما سمعت عنها في بغداد. وقد جاءني ليخبرني بأن سيده قادم عصرا
__________________
(١) ويعني التاتار : وكان الأتراك يستخدمون السعاة التاتار في نقل البريد. وهكذا استعملوا كلمة «تاتار» في التركية وصفا لساعي البريد ـ المترجم.
(٢) لإيضاح الشكوك والمخاوف التي توسوس في رأس حاكم شرقي ، يمكن لنا أن نذكر بأن داود باشا ، باشا بغداد ، كان قد ارتاع كثيرا لذهاب المستر ريج إلى كردستان.
ولم تقنعه الأسباب التي ذكرت له ، إذ لا يتصور التركي أو يعتقد بالسياحة للاستشفاء أو للتسلية ، والظاهر أنه توقع شرّا لشخصه. ويقال إن وصول الساعي من استانبول يوم وصول المستر ريج إلى كردستان قد قوّى فيه مخاوفه وأيدها ـ الناشرة.