رجل من عامة الناس ، ولكنني علمت أن لهذه الحالة منافعها في مثل هذه الديار إذ إنها تجعل الدفاع عن كرسي الحكومة في الطوارىء ممكنا. والمدخل لا ينتهي إلى واجهة القصر بل ينعطف إلى جانبه (١) وهنا اضطررت إلى الترجل إذ استحال عليّ التقدم بعد ذلك راكبا. ثم ارتقينا درجات سلم جميل يؤدي إلى بهو الاستقبال الذي لو عمر لكان غرفة فاخرة حقّا وكانت واجهة البهو مكشوفة تستند على أعمدة (٢).
استقبلني الباشا عند الباب وأخذني إلى كرسي في صدر الغرفة وقعد كل من المستر (به ل لي نو) والدكتور على كرسيين أيضا دون الصدر بقليل ، وجلس أعضاء المجلس يرأسهم عثمان بك على (نيم مد) عريض (٣) أو سجادة شعر ثخينة في الجانب المقابل ، واختلط أفراد حاشيتي برجال الباشا الذين جلسوا في صفين على محاذاة جدران الغرفة وقد وقف في وسطها ال (أيشيق باشي) رئيس التشريفات وبيده عصا منصبه ، وملأ الممرات وردهة الدار تحت الغرفة جمع من الكرد مرتدين خير الثياب. وبعد تبادل الكلمات الترحيبية لاحظ الباشا أنني أعجبت بالغرفة فقال : «إن والده المرحوم هو الذي بناها وإنها تحتاج إلى الترميم» ثم أردف قائلا : «ومن الذي يرمم شيئا وهو غير متأكد من استمتاعه به؟
__________________
(١) وهنالك مدخل جيد آخر (وإن كان حقيرا أيضا) في واجهة القصر كانوا يرممونه آنذاك.
(٢) تسمى مثل هذه الحجر ب (تالار). انتهى ـ (وقد عرفت في اللّغة البغدادية ب (طرار) ـ المترجم).
(٣) كلمة فارسية معناها نصف مدة. ويصطلح عليها في القسم الجنوبي من العراق بالمدة وجمعها مدات وقد يعبر عنها بكلمة (يان) التركية ـ الجانب ـ في بعض الأحيان. (المترجم) وقد جاء في حاشية من الكتاب ما يلي : شقات ضيقة من اللباد الثخين الناعم المزين بألوان عديدة جميلة ، تفرش حول الغرفة في إيران وكردستان وتقوم مقام الأرائك والكراسي.