من التواريخ لي ، وكان كل ما يعرفه هو أن أجداده كانوا أرباب اللواء لزمن طويل ثم خصصت إليهم باشوية منطقتين قبل مدة ثقل عن القرن. وقد أخبرني أنه من السهل تمييز الكورانيين من سيمائهم ومن لهجتهم الكردية. لقد تحدثنا كثيرا في مثل هذه المواضيع وتفارقنا ونحن صديقان حميمان ، وبدا لي أن أبناء عم الباشا كلهم ، أي أبناء عشيرته صاروا ينظرون إلي بعين الرضا.
وعند مغادرتي القصر وجدت جوادا جميلا عليه عدة مزركشة جيدة مهيّئا كهدية لي لم أستطع إلا قبولها ، فقيد أمامي. والآن ذهبنا لمعاينة الدار التي هيّئت لسكناي وهي قريبة من القصر وقد وجدناها دارا تكتئب لها النفس ، وهي وإن كانت فسيحة إلا أنها خربة قذرة. وكانت على حالها تلك مسكن أحد رجال أو ضباط الباشا ، وقد أخرج منها لنقطنها ، وكان نفوري منها وعزوفي عن السكنى فيها ظاهرين علي كما أعتقد. وبعد أن دار بعض الهمس بين الكرد وبين حاشيتي أوفد الباشا رئيس وزرائه راجيا أن أسمح لمأمور خزينتي بالذهاب مع أحد رجاله لاختيار أية دار في المدينة ليفرغها لي صاحبها فورا فأشغلها بيد أنني لم أستسغ هذه الفكرة علاوة على عدم رغبتي في إزعاج الغير إزعاجا آخر. هذا ومن رأيي أن الفرق بين المساكن في المدينة لا بد أن يكون ضئيلا على كل حال ، ولا بد من أن الباشا قد بذل كل ما في وسعه في بادىء الأمر لتأمين راحتنا قدر المستطاع فقررت الانصياع إلى الواقع وإشغال الدار المخصصة لنا ، وشعرت فورا بأن قراري هذا قوبل بارتياح عام. وعلى ذلك أرسلت ميناس ليستصحب زوجتي إلى المدينة إذ إن الكرد لا يستحسنون مطلقا رجوعي إلى مضربي اليوم ، وكان من السهل إدراك رأيهم الخرافي في النحس الذي قد يصيب أمورهم فيما إذا تركت المدينة ، ولذلك وحتى قدوم قرينتي قضيت من الوقت مدة ساعتين أو ثلاث ساعات في التمشي مكتئبا متكاسلا الأمر الذي زاد في الصداع العصبي الذي شعرت بنذيره منذ الصباح.