المذاهب الاسلامية وأدلتها الشرعية
لعله من نافلة القول إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قد رحل من هذا العالم بعد السنين التي عاش فيها بين المسلمين ، يتأملون عبادته من طهارة وصلاة وصوم وحج وغير ذلك فيتبعونه في ذلك ، ويرجعون إليه فيما اختلفوا فيه أو شكوا في صوابه ، وأما ما يروى من الروايات المذكورة في مظانها من مفهوم الاجتهاد في عصره صلىاللهعليهوآله فإنه كان لا يتجاوز علمية بذل الجهد لا كما أصبح عليه الآن مما يدل عليه اصطلاحاً من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
كما إننا لا نتفق مع الرأي القائل بوقوع الاجتهاد من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله كما ذهب إلى ذلك الآمدي في الأحكام (١) وغيره ، لأن ذلك يتنافى صراحةً مع قوله تعالى ( وَما ينطِقُ عنِ الهوى ).
وما رواه أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب كلّ شيء اسمعه من رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش وقالوا : أتكتب كلّ شيء تسمعه ورسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] بشر يتكلم في الغضب والرضا! فأمسكت عن الكتاب!
فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فأومأ باصبعه إلى فيه فقال : « أكتب ، فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلّا حق » (٢).
ولأن الاجتهاد كما نعلم يفيد الطن ، وقد اتفق على ذلك الجميع ، ومنهم الآمدي في الأحكام حيث قال : الاجتهاد مخصوص باستفراغ الوسع
__________________
١ ـ الأحكام في أصول الأحكام ١ : ٣٩٨.
٢ ـ سنن أبي داود ٣ : ٣٣٤ / ٣٤٤٦.