ودام الداعاء له عوض السلطان بمصر إلى أن وصل الخبر بأن الملك المؤيد أبا النصر شيخ بويع بالسلطنة بالديار المصرية فى مستهل شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة ، فدعى للملك المؤيد فى الخطبة وعلى زمزم فى شوال من السنة المذكورة.
ودعى قبله للمستعين دعاء مختصرا بالصلاح ، ثم قطع الدعاء للمستعين بعد سنة ، ثم أعيد بعد أربعين يوما ، ثم قطع بعد نحو خمسة أشهر.
ومنها : أن فى يوم الجمعة خامس ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة حصل بين أمير الحاج المصريين ومن انضم إليه ، وبين القواد العمرة قتال فى المسجد الحرام ، وخارجه بالمسفلة ، واستظهر الترك على القواد ، وأدخل أمير الحاج خيله إلى المسجد الحرام وجعلها بالجانب الشرقى قريبا من منزله. وأوقدت فيه مشاعل ، وأوقدت أيضا مشاعل المقامات ، ودام الحال على ذلك إلى الصباح.
وفى ضحوة يوم السبت سكنت الفتنة واطمأن الناس (١).
وسبب هذه الفتنة : أن أمير الحاج المصرى ، أدب غلاما للقواد على حمله السلاح بمكّة ، لنهى الأمير عن ذلك. فطلب مواليه أن يطلقه من السجن فأبى ، فكان من الفتنة ما ذكرناه ، فلما أطلقه ، سكنت الفتنة.
ومات بسببها جماعة من الفريقين ، وكثر بسببها انتهاك حرمة المسجد الحرام ؛ لما حصل فيه من القتال والدم ، وروث الخيل ، وسمرت أبوابه إلا باب بنى شيبة ، والدريبة ، والمجاهدية.
ومنها : أن فى هذه السنة أيضا حصل خلاف فى هلال ذى الحجة : هل أوله الاثنين أو الثلاثاء؟ فحصل الاتفاق على أن الناس يخرجون إلى عرفة فى بكرة يوم الثلاثاء تاسع ذى الحجة ـ وعلى مقتضى قول من قال : إنه رئى بالاثنين ـ ؛ وأن يقيموا بها ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء ، ففعل معظم الناس ذلك ، ودفعوا من عرفة بعد الغروب ليلة الخميس إلى المزدلفة ، وباتوا بها إلى قرب الفجر.
ثم رحلوا إلى منى بعد رحيل المحامل ، والمعهود أنها لا ترحل إلا بعد
__________________
(١) إتحاف الورى ٣ / ٥١٧.