الدنيا دوبا دوبا أتقولون عجلت الدنيا وأخرت الآخرة هيهات هيهات ما خير عاجل يفنى ، وهل يغادر أمر يدوم ويبقى لكن أقول لقد نحل الواعظون ومل المتكلمون ولا أراكم تنزجرون أما آن للخلائق في القيامة جولة لا يفوز بالسلامة من شرها ، والانقلاب بسرور خيرها إلا من أوتي كتابه بيمينه ، فإنه يحاسب حسابا يسيرا ، وينقلب إلى أهله مسرورا ثم قرأ حتى انتهى إلى قوله : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ، بَلى)(١) فقال : بلى وربي إن له لمبعثا ، بلى وربي إن له لمرجعا ، بلى وربي ، إن له لموقفا عظيم الشؤم عليه في ذلك الجمع انكسر يوم تجد كل نفس ما عملت من خير يحضر ، وما عملت من سوء ، تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ، احذر أيها المرء ما حذرك ، والتمس رأفته بجدك وجهدك فلعلك تنجو من يوم كان شره مستطيرا من شر يوم قد أقرح جفون العابدين قبلك ، وانصب أبدانهم أيام الحياة فلعمر الله لئن التمست ذلك بمثل ملتمسهم ليجمعهن في الموئل جميعا ، ولتشاركنهم في منازل الأبرار عند من لا يعظم عنده جزيل الثواب لأوليائه.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنا أبو عمرو بن منده ، أنا محمّد بن يوه ، أنا أبو الحسن اللنباني (٢) ، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني محمّد بن الحسين ، حدّثني موسى بن داود قال سمعت : ابن السماك يقول : كان ابن ذر يقول في مواعظه : أما علمت أن الجديدين يكران عليك بالفجائع في إقبالهما وإدبارهما ، وأنت تتقلب في الليل والنهار آمنا للموت ونزوله ، أما رأيت من أخذ مضجعه من الليل صحيحا ثم أصبح على فراشه ميتا لو علم أهل العافية ما تضمه القبور من الأجساد البالية فجدوا واجتهدوا في أيامهم الخالية خوفا ليوم تتغلب فيه القلوب والأبصار.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا أبو الحسن رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا عبد الرّحمن بن مرزوق ، نا يزيد بن هارون ، قال :
كان من دعاء عمر بن ذرّ : اللهمّ إنني أعوذ بك أن تحسن بمرامقة العيون علانيتي ، وتقبح فيما أخبرتك به سريرتي ، أبدي إليك مساوئ أمري ، وأفضي إلى المخلوقين بمحاسن عملي.
قال : وأنا ابن مروان ، نا ابن أبي الدنيا ، نا محمّد بن الحسين ، قال : قال عمر بن ذرّ :
__________________
(١) سورة الانشقاق ، الآية : ١٤ ومن الآية ١٥.
(٢) في «ز» : اللبناني ، تصحيف.