حتى أتى على آخرها ، فأقبل عليه ابن الأزرق فقال : الله يا ابن عبّاس إنّا لنضرب إليك أكباد المطيّ من أقاصي الأرض لنسألك عن الحلال والحرام فتثاقل علينا ، ويأتيك مترف من مترفي قريش فينشدك :
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت |
|
فيخزى وأما بالعشيّ فينخصر (١) |
فقال ابن عباس : ليس هكذا قال ، قال : فكيف قال؟ قال :
رأت رجلا اما إذا الشمس عارضت |
|
فيضحى وأما بالعشيّ فيخصر (٢) |
قال : ما أراك إلّا قد حفظت البيت ، قال : نعم ، وإن شئت أنشدك القصيدة أنشدتكها ، قال : فإنّي أشاء ، فأنشده القصيدة حتى جاء على آخرها ، قال : ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال : أنشد فقال :
تشطّ غدا دار جيراننا (٣)
فقال ابن عباس :
وللدار بعد غد أبعد
فقال : كذلك قلت ، أصلحك الله ، أسمعته؟ قال : لا ، ولكن كذلك ينبغي.
قال القاضي : وقد روى بعض الرواة بيت ابن أبي ربيعة فقال : إنما (٤) إذا الشمس وإنما (٥) بالعشي وهي لغة معروفة ، وقوله يضحى معناه يمسه الحر ، وقيل تعلوه الشمس وهو ضاح لها غير مستتر منها ، والضحّ : الشمس ، والعرب تقول الضّحّ والدّحّ (٦) ، وروي أن عبد الله بن عمر رأي رجلا قد استظل من الشمس وهو محرم فقال : أضح لمن أحرمت له ، ومن هذا قول الله عزوجل : (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى)(٧) ألا لا يصيبك فيها حر ولا تعلوك شمس ، وقد قال جلّ اسمه في أهل الجنّة : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً)(٨)
__________________
(١) في الجليس الصالح والأغاني : فيخسر.
(٢) بهذه الرواية البيت في الديوان ص ١٣٠.
(٣) بالأصل وم : «نشط غد دار جيراننا».
والمثبت عن «ز» ، وهو مطلع قصيدة في ديوانه ص ٩٥ قالها في فاطمة بنت محمّد بن الأشعث.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : «انما» وفي الجليس الصالح : أيما.
(٥) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : «انما» وفي الجليس الصالح : أيما.
(٦) بالأصل وم و «ز» : «والريح» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٧) سورة طه ، الآية : ١١٩.
(٨) سورة الإنسان ، الآية : ١٣.