وأمّا اتّساع رقعة الخلاف ، ودائرة الاختلاف بعد لحوقه ( صلّى الله عليه وآله ) بالرفيق الاعلى ، فحدّث عنه ولا حرج .
فقد اختلفوا في يوم وفاته في موته ( عليه الصلاة والسلام ) ، قال عمر بن الخطاب : من قال إن محمّداً قد مات قتلته بسيفي هذا ، وإنّما رفع إلى السماء كما رفع عيسى ( عليه السلام ) .
ولما جاء أبو بكر بن أبي قحافة من النسع ، وقرأ قول الله سبحانه : « وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » رجع عمر عن قوله ، وقال كأنّي ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر (١) .
وأخطر الخلافات وأعظمها هو الإختلاف في الإمامة ، وإدارة شؤون الاُمّة الإسلاميّة ، فمنهم من قال بتعدد الاُمراء فأمير من الأنصار وأمير من المهاجرين ، ومن قائل بلزوم انتخابه من طريق الشورى ، ومن قائل ثالث بالتنصيص بالولاية والإمارة ، فقد أحدث ذلك الخلاف خرقاً عظيماً لا يسدّ بسهولة .
ولأجل ذلك يقول الشهرستاني في « ملله ونحله » : ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينيّة مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان (٢) .
ولم يقف الخلاف والإختلاف عند هذا الحدّ ، فقد اتّسع نطاقه بعد الإختلاف في الزعامة السياسية ، حتى شمل القيادة الفكريّة ، فحدثت مذاهب واتّجاهات ، ووجدت مناهج متباينة في المعارف الإعتقاديّة ، التي تشكّل أعمدة الدين واُصوله وجذور الإسلام واُسسه .
فاختلف المسلمون ـ في هذا المجال ـ إلى معتزلة وجبريّة ، وانقسمت الاُولى إلى واصليّة ، هذليّة ، نظاميّة ، خابطيّة ، بشريّة ، معمريّة ، مرداريّة ، ثماميّة ، هشاميّة ، جاحظيّة ، خياطيّة .
كما انقسم منافسو المعتزلة ( أعني الجبريّة ) ، إلى : جهميّة ، نجاديّة ، ضراريّة .
وقد كان هذا الإختلاف في إطار خاص ، أي في معنى الإسلام والإيمان وما يرجع إلى فعل الله سبحانه ، وإذا أضفنا إليه الإختلاف في سائر النواحي ، فنرى أنّهم اختلفوا في صفاته سبحانه ، إلى : أشعريّة ، ومشبّهة وكراميّة .
____________________________
(١) الملل والنحل ج ١ ص ٢٣ .
(٢) الملل والنحل ج ١ ص ٢٤ .