نظرات سريعة في فن التحقيق « ٢ »
أسد مولوي
من صفات المحقّق :
من الواضحات أنّ من يتصدّى لأمر ما ، يجب عليه أن يتّصف بصفات تؤهّله لإتقان ما تقتضيه طبيعة هذا الأمر . . . ، فالطبيب مثلاً لا يحتاج في فنّه إلى إتقان الشعر الجاهلي ومعرفة وحشيّه من مأنوسه ، ولا إلى ضبط أوزانه ليعلم أنّ الموشّح متأخّر عن العصر الجاهلي بقرون ، ولا ولا . . . وإن كان من ناحية الثقافة العامّة يحتاج إلى بعض هذه الاُمور . . . ، لكنّها لا تساعده في عمليّة جراحيّة في العين أو كتابة وصفة دواء .
وهكذا قل في كلّ فنّ فنّ من ألوان العلوم الإنسانيّة .
ومن هنا قال الشاعر :
.......... |
|
ما كلّ أصلع عالم ومحقّق |
ونحن في هذا البحث الموجز ، سنطرق ـ بعون الله تعالى ـ أبواب بعض هذه الصفات ، ذاكرين منها ما يفتح الله به ممّا بقي في الذاكرة من جهد عاشق لهذا الفنّ أمضى معه سنوات طوالاً ، ضيّع عليه طاغوت من طواغيت هذا العصر أينع ثمراتها .
ولنبدأ بالسمة الاُولى المشتركة بين أعمال الإنسان كلّها وهي :
١ ـ الرغبة أو الهواية أو العشق (١) :
هذه الهواية اُولى الشروط الواجب توفّرها في المحقّق ، فإنّ حبّه للتحقيق يسهّل له
____________________________
(١) ذكرناها على الترتيب تدريجاً فإنّ إحداها أرفع من الاُخرى ، ولكلّ واحدة منها درجة ترتفع بصاحبها في سلّم هذا الفنّ .