الصعاب التي تعترضه ، ويذلّل له سبلها ، ويعينه على تخطّي ما يعترض طريقه من عقبات .
لأنّ هذا الفنّ كثير المزالق ، جمّ المعوّقات ، وغير المحبّ لا يهون عليه أن يبذل من ذات نفسه أو ماله أو . . . لغير من يحبّ .
هذا الحبّ يهون على المحقّق السهر والتعب في حلّ جملة مبهمة ، ويسهّل عليه صرف الساعات بل الأيّام محقّقاً مدقّقاً في قراءة كلمة صحّفها الناسخ ، أو عدت عليها عوادي الزمان بمسح أو مسخ .
ويهون عليه ـ مثلاً ـ فوت سفرة يتمتّع فيها بما أباح الله تعالى من مجالي الطبيعة الجميلة ، ويتلذّذ بشمّ الهواء وتذوّق طعم حرّية الإنطلاق من بين أربعة جدران .
ويدفعه إلى تجشّم السفر ـ إن كان قادراً عليه ـ إلى مكتبة بعيدة ، ولولا هذا الحبّ لما كانت المكتبة عنده أبهج من آلات المستشفى لمن يكره المستشفيات .
ويستلّ منه النقود التي هي عماد حياته « أموالكم التي جعل الله لكم قياماً » (١) فيبذلها رخيصة في شراء كتاب أصفر الورق قد اتخذته العثّة لها ملعباً ومطعماً و . . .
ويفعل به هذا الحبّ ويفعل . . .
ومن ذاق عرف . .
هذه الهواية ـ عندي ـ أوّل شرط يجب على طالب هذا الفنّ أن يخبره من نفسه ، لأنّه إن لم يكن راغباً في التحقيق هاوياً له فسيأتيه من منغّصاته ما يصرفه عنه ، وقد يفضي الأمر به إلى طلاق لا رجعة فيه .
٢ ـ الغيرة :
وهي صفة لازمة للمحقّق ، فإنّنا ـ بحمد الله اُمّة لها من علمها وأدبها ورجالها و تراثها ما تفخر به على كلّ الاُمم ـ كثرةً وأصالةً وعمقاً ونفعاً للإنسانيّة ـ .
اُمّة إذا طلعت الشمس تطلع على حلقات المعقّبين بعد صلاة الصبح ، وإذا غربت تغرب على المتهيّئين لختم نهارهم بصلاة المغرب ، من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب .
هذه الاُمّة صهرتها بوتقة الإسلام ، واصطبغت بصبغة الله ـ ومن أحسن من الله صبغة ـ أفكارها واحدة ، وتراثها واحد .
____________________________
(١) النساء ٤ : ٥ .