بعضه بعضاً (١) .
أترى أنّه ( صلوات الله عليه ) بعد ما يندّد بالإختلاف ، يقول أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه .
فاكتمال الدين بعامّة أبعاده ينفي وجود الثاني ، كما أنّ وجود الخلاف في عامّة المسائل لا يجتمع مع إكمال الدين ، فما هو الحلّ لهذين الأمرين المتخالفين ؟ !
الاجابة على هذا السؤال :
إنّ هناك تحليلين يمكن أن يستند إليها الباحث في حلّ هذه المعضلة :
الأوّل : إنّ النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) وإن أكمل دينه في اُصوله وفروعه ، غير انّ المسلمين في القرون الغابرة وقفوا أمام النصوص الإسلاميّة ، فأوجدوا مناهج ومذاهب لا تلائم القرآن الكريم ولاالسنّة النبويّة .
إلّا أنّ هذه الإجابة لا تتّفق مع الواقع ، بل تعتبر قسوة على الحقّ وأصحابه ، لما نعلم من حياة المسلمين في الصدر الأوّل وبعده ، من أنّ الدين كان عندهم من أعزّ الأشياء وأنفسها ، فكانوا يضحّون بأنفسهم وأموالهم في سبيله .
فعند ذلك كيف يمكن أن ينسب إلى هؤلاء الجماعة بأنّهم قد وقفوا في وجه النصوص الإسلاميّة ، وقابلوها بآرائهم ، ورجّحوا أفكارهم ونظريّاتهم على الوحي ؟
كيف والقرآن الكريم يصف تلك الثلّة بقوله : « مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فضلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا » ( الفتح ـ ٢٩ ) .
الثاني : إنّ الشريعة الإسلاميّة قد جاءت بدقائق الاُمور وجلائلها في كتاب الله وسنّة نبيّه ، غير أنّ الشارع الحكيم قد أودع علم كتابه والإحاطة بسنّة نبيّه ـ الذين اكتملت بهما الشريعة ، وتمّت بهما النعمة ، واستغنت الاُمّة بهما عن اتّخاذ أيّ شيء في عداد كتاب الله وسنّة
____________________________
(١) نهج البلاغة قسم الخطب الخطبة رقم ١٨ .