كان الأمير في نواحي حلب ففارقه الطبيب ستراكان لأمر له في المدينة وبالرغم من أن الأمير كان مقررا الرحيل لكنه لبث ينتظره خمسة عشر يوما ثم اضطر إلى السفر فترك أحد أمنائه على رأس مئة فارس ليرافقوا ستراكان عند عودته لئلا يسافر وحده في الفلاة أو يهرب منهم ولو أنه لم يفكر في ذلك.
وخلاصة القول أن الأمير يحترمه جدا ويغدق عليه الهبات وهو ما يريده الطبيب ، لكني لا أعتقد أنه سيبقى معه ، لأنه لا بد أن يغادر بعد أن يجمع مبالغ طائلة ، فحياة البادية صعبة.
لقد أتقن ستراكان اللغة العربية حتى لا يمكن تمييزه عن العرب لهجة ونطقا ولباسا وأصبح بدويا بكل ما في الكلمة من معنى. هذا ما قيل لي عنه لأني لم ألتق به قط (١).
التقسيم الاجتماعي للعرب
إن لفظة بدوي مشتقة من البادية وهي الصحراء ، والعرب أربعة أقسام أو فئات أشرفها البدو ثم المعدان أي المتشردون الذين ليس لهم مقر ثابت وهم معنيون بتربية الجاموس وبيع الحليب ويقيمون تارة في البادية وأخرى في المدن ؛ وأقلهم شأنا في نظرهم الحضر الذين يعيشون في المدن بصورة دائمة ثم الفلاحون الذين يزرعون الأرض ، فالعرب ينتمون في آخر الأمر إلى إحدى هذه الطبقات.
لنأخذ على سبيل المثال أهل بلدة «عنه» لا شك في ان رجالها هم من جماعة الفلاحين لكن لهجتهم وزيهم وعادات نسائهم وموقع بلدتهم في وسط البادية تجعلهم بدوا حقيقيين لا بل أكثر البدو تمدنا في العالم لأن لباسهم ومنظرهم علاوة على أنه محترم جدّا فهو أيضا فريد للغاية. إذ أن عددا كبيرا منهم يلبسون الحرير الرائع وعباءاتهم نادرة الألوان وهي عادة مخططة بلونين
__________________
(١) التقى السائح بهذا الطبيب الاسكتلندي بعد سنوات كما سيذكر فيما بعد واطلع على المخطوطات التي جمعها وتداولا في مشروع ترجمة كتاب القاموس المحيط ثم ترك الصحراء فذهب إلى بغداد ومنها رحل إلى أصفهان (الرحلة الجزء ٢ : ٤٣٧).