مقدمة المعرب
اجتاح أقطار أوربا في القرن الخامس عشر تيار «الإنسانيات» فانكبّ أدباء ذلك العصر بحثا وتنقيبا في مخلفات الأقدمين ، بدءا بالأدب اليوناني ثم الأدب اللاتيني القديم ، وظهرت للنور تحقيقات مهمة ودراسات شائقة أغنت التراث البشري في هذا الميدان.
وفي نهاية القرن السادس عشر انتعش تيار جديد ، خاصة في إيطاليا ، هو رغبة الاطلاع على الشرق الغنيّ بتراثه الفكري وحضاراته العريقة ، فانتشرت الدراسات العربية والسريانية والتركية.
إن أسماء المدن الشرقية مثل بابل ونينوى والقدس وبغداد واسطنبول ـ وريثة القسطنطينية ـ كان لها وقعها السحري في مخيلة الأوروبيين بأخبارها وأساطيرها وتراثها ؛ فقصص ألف ليلة وليلة ، وذكريات هارون الرشيد ، وحروب سلاطين بني عثمان ، وأسواق الشرق الغنية بكل شيء ، كانت تجذبهم إلى مزيد من الاطلاع والبحث.
لقد شرع الباحثون بالتعمق في تراث الحضارة العربية العريقة بمختلف ميادينها : في الطب والرياضيات والفلك والفلسفة ، فكانوا ينهلون من ينابيعها الغزيرة ، بينما عكف غيرهم على دراسة التراث الإسلامي ، بينهم من ساقه إلى ذلك حب الاطلاع ، وبينهم نفر آخر كانت رغبته الجدل الديني.
لعل الدافع الأصلي لهذه الدراسات كان أدبيّا وثقافيّا محضا ، لكن سرعان ما سخرتها الدول والحكومات لخدمة أغراضها التجارية والاستعمارية ، وانطلاقا من هذه البحوث حاولت دول أوروبا وإماراتها بكل