أجرة لقاء النزول في الخان لأنه شيد من قبل الحكام لراحة المسافرين ، أو حبا للخير ولوجه الله من قبل بعض الأفراد. أما خانات المدينة وهي كثيرة فإنها تستوفي أجرا بسيطا ويعطى في بعضها للبواب شيء يسير عند تسليمه مفتاح الغرفة. وعلى المسافر النازل في الخان أن يجهز نفسه للطعام والأفرشة وغير ذلك إذ لا وجود للمطاعم في تلك البلاد ، ولا أعلم سببا لذلك. لكني أعتقد أن الناس في هذه الأطراف يقنعون بالقليل والمسافرون هم عادة فقراء يكتفون بالخبز والتمر وما شابه ذلك ويفترشون الأرض ويلتحفون بألبستهم نفسها أما المسافرون الأغنياء فإنهم يعدون «البلاو» (١) وهو الرز ويضيفون إليه اللحم إذا أمكنهم الحصول عليه فإن لم يجدوه أضافوا قليلا من السمن إليه وزيادة إلى ذلك يشربون القهوة ويدخنون التبغ (٢) ويحملون فراشا بسيطا وبعض الأواني للطبخ وخيمة ويشدون كل ذلك على حمار صغير يسير أمامهم فهم يختلفون عنا نحن الإفرنج إذ أننا ننشد الراحة في الأسفار والفراش الوثير والألبسة المتنوعة ويطيب لنا أكل الدجاج والبيض والفواكه لدى توفرها رغم أن هذه الأمتعة الكثيرة تتطلب مزيدا من الدواب لحملها. وعند النزول في مكان ما أرسل بعض رجالي إلى القرى المجاورة للبحث عن الطعام وما أشبه والحياة رخيصة جدا فمبلغ يسير يكفي لحياة رغيدة. لقد استهوتني هذه الحياة والعيش في الخيام فهي أفضل بكثير من تناول الطعام في مطاعمنا حيث يقوم على الخدمة أناس قذرون يقدمون الأكل في آنية وسخة تتقزز منها النفس ، أما طبخهم وفراشهم فالله وحده يعرف حالتها ، وأما صياح المكارين عندنا وصراخ المسافرين فيجعلون النوم مستحيلا ورهين إرادة الآخرين كما أن التكاليف عندنا أكثر بكثير مما هي عليه في هذه البلاد.
دعنا من هذا الكلام ولنعد إلى موضوع رحلتنا ففي اليوم التالي غادرنا «خان المسيب» منذ الصباح الباكر وعند منتصف النهار رأينا من بعيد عن يسارنا
__________________
(١) هو الرز المطبوخ ولا يزال بعض المتقدمين في السن يستعملون هذه اللفظة.
(٢) هذا أقدم ذكر لاستعمال التبغ في العراق انظر : يعقوب سركيس : مباحث عراقية ٢ : ١٤٥.