وهذا هو ما دعا البعض إلى القول بأن التوراة لم تتعرض للتحريف ، حيث استدل بالروايات المتقدمة على ذلك (١).
ولعل مما يزيد في تأكيد ذلك وتثبيته قولهم بنزول آية : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا)(٢) في هذه المناسبة.
على أساس أن مراد الآية ـ والحالة هذه ـ بالتوراة التي لها هذه المواصفات : هو نفس هذه التوراة التي عظمها رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وقرأها ابن صوريا ، وعليه فإن التوراة التي كانت بحوزة اليهود كانت سليمة عن التحريف ، بنص الآية الشريفة.
مع أن تحريف التوراة كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار.
وقد حاول العسقلاني دفع هذه الغائلة بطرح فكرة : أن المراد : أنه «صلى الله عليه وآله» مؤمن بما جاء في أصل التوراة ، لا بهذه التوراة المحرفة (٣).
وهو تمحل ظاهر ؛ فإنه «صلى الله عليه وآله» إنما خاطب بكلامه هذا خصوص التوراة الموضوعة أمامه.
واحتمال أن تكون خصوص تلك النسخة غير محرفة ، دون غيرها (٤) يدفعه : أن من غير المعقول أن يأتوه بالتوراة الصحيحة ، لأجل التحاكم إليها ، وليس من الممكن لهم تسجيل إدانة ضدهم ، بأنهم يتعاملون بتوراتين :
__________________
(١) راجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١٥٣.
(٢) الآية ٤٤ من سورة المائدة.
(٣) راجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١٥٣.
(٤) راجع : فتح الباري ج ١٢ ص ١٥٣.