والإعراض عنه كما لو كان عدوا لهم.
* * *
ومما ينخرط في هذا السلك الالتفات بالرجوع من خطاب الغيبة إلى خطاب النفس ، كقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ، وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ، وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.)
فالآية مثال للالتفات بالعدول عن الغيبة إلى خطاب النفس ، فإنه قال (وَزَيَّنَّا) بعد قوله (ثُمَّ اسْتَوى) وقوله (فَقَضاهُنَ) ـ (وَأَوْحى.)
والفائدة في ذلك أن طائفة من الناس غير المتشرعين يعتقدون أن النجوم ليست في سماء الدنيا ، وأنها ليست حفظا ولا رجوما ، فلما صار الكلام إلى ههنا عدل به عن خطاب الغائب إلى خطاب النفس لأنه مهمة من مهمات الاعتقاد ، وفيه تكذيب للفرقة المكذبة المعتقدة بطلانه.
* * *
ومن الالتفات بالرجوع أو العدول عن مخاطبة النفس إلى مخاطبة الجماعة ، قوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.) وإنما صرف الكلام عن خطاب نفسه إلى خطابهم ، لأنه أبرز الكلام لهم في معرض المناصحة ، وهو يريد مناصحتهم ليتلطف بهم ويداريهم لأن ذلك أدخل في إمحاض النصح ، حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه. وقد وضع قوله (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) مكان قوله «وما لكم لا تعبدون الذي فطركم» بدليل قوله (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.) ولو لا أنه قصد ذلك لقال «الذي فطرني وإليه أرجع».
* * *