ما نفعناك (١).
وروى المبرد قال : لما هلك ذر بن عمر وقف عليه أبوه وهو مسجى ، وقال : يا بني ، ما علينا من موتك غضاضة ، وما بنا إلى ما سوى الله من حاجة ، فلما دفن قام على قبره ، وقال : يا ذر ، غفر الله لك ، قد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك ، لأنا لا ندري ما قلت ، ولا ما قيل لك. اللهم إني قد وهبت له ما قصر فيه مما افترضت عليه من حقي ، فهب له ما قصر من فيه حقك ، واجعل ثوابي عليه له ، وزدني من فضلك ، إني إليك من الراغبين. فسئل عنه ، فقيل : كيف كان معك؟ فقال : ما مشيت معه بليل قط إلا كان أمامي ، ولا بنهار قط إلا كان خلفي ، وما علا سطحاً قط وأنا تحته (٢).
وقدم على بعض الخلفاء قوم من بني عبس ، فيهم رجل ضرير ، فسأله عن عينيه ، فقال : بت ليلة في بطن واد ، ولم أعلم عبسياً يزيد ماله على مالي ، فطرقنا سيل ، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد ، غير بعير وصبي مولود ، وكان ( بعيراً صعباً فنفر ) (٣) ، فوضعت الصبي واتبعت البعير ، فلم أجاوز إلا قليلاً حتى سمعت صيحة ابني ، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه وهو يأكله ، ولحقت البعير لأحبسه فبعجني (٤) برجله على وجهي فحطمه ، وذهب بعيني فأصبحت لا مال لي ، ولا أهل ، ولا ولد ، ولا بصر.
روي : أن عياض بن عقبة الفهري مات له ابن ، فلما نزل في قبره قال له رجل : والله انه كان لسيد الجيش فاحتسبه ، فقال : وما يمنعني ، وقد كان بالأمس زينة الحياة الدنيا ، وهو اليوم من الباقيات الصالحات!؟
وقال : أبو علي الرازي صحبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة ، ما رأيته ضاحكاً ولا مبتسماً قط إلا يوم مات ابنه علي ، فقلت له في ذلك ، فقال : إن الله سبحانه وتعالى أحب أمراً ، فأحببت ما أحب الله عزوجل.
واصيب عمرو بن (٥) كعب الهندي بتستر (٦) ، فكتموا أباه الخبر ، ثم بلغه فلم يجزع ، وقال : الحمد لله الذي جعل من صلبي من اصيب شهيداً. ثم استشهد له ابن آخر
__________________
١ ـ عيون الأخبار ٢ : ٣١٣.
٢ ـ أخرج قطعة منه المبرد في الكامل ١ : ١٤٠.
٣ ـ في « ش » : البعير صعباً فند.
٤ ـ البعج : الشق « لسان العرب ٢ : ٢١٤ ».
٥ ـ في « ح » : عمرو.
٦ ـ تستر : من مدن خوزستان ، وهو تعريب شوشتر. اُنظر « معجم البلدان ٢ : ٢٩ ».