سبحان الله! والله لقد كانا ميتين ، ولكن الله تعالى أحياهما ثواباً لصبري » (١).
وقريب من هذا ما رويناه في ( دلائل النبوة ) عن أنس بن مالك ، قال : دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ، فلم نبرح حتى قضى ، فبسطنا عليه ثوباً ، واُم له عجوز كبيرة عند رأسه ، فقلنا لها : يا هذه ، احتسبي مصيبتك على الله عزوجل ، فقالت : مات ابني؟ قلنا نعم ، قالت : حقاً تقولون؟ قلنا : نعم ، قال فمدت يدها ، وقالت : اللهم إنك تعلم أني أسلمت لك ، وهاجرت إلى رسولك صلىاللهعليهوآلهوسلم رجاء ان تعينني عند كل شدة ورخاء ، فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم ، فكشف الثوب عن وجهه بيده ، ثمّ مابرحنا حتى طعمنا معه (٢).
وهذا الدعاء من المرأة رحمها الله إدلال على الله ، واستئناس به يقع منه للمحبين كثيراً ، فيقبل دعاءهم ، وإن كان في التذكير بنحو ذلك ما يظهر منه قلة الادب. لو وقع من غيرهم ، ولذلك بحث طويل وشواهد من الكتاب والسنة ، يخرج ذكره عن مناسبة المقام.
ومن لطيف ما اتفق فيه مناجاة برخ الاسود الذي أمر الله تعالى كليمه موسى عليهالسلام أن يسأله ليستسقي لبني اسرائيل بعد ان قحطوا سبع سنين ، وخرج موسى ليستسقي لهم في سبعين الفا ، فأوحى الله إليه : « كيف استجيب لهم وقد أظلت عليهم ذنوبهم ، وسرائرهم خبيثة ، يدعونني على غير يقين ، ويأمنون مكري! إرجع إلى عبد من عبادي ، يقال له : برخ ، يخرج حتى استجيب له ».
فسأل عنه موسى عليهالسلام فلم يعرف ، فبينا موسى عليهالسلام ذات يوم يمشي في طريق ، فإذا بعبد أسود بين عينيه تراب من أثر السجود ، في شملة قد عقدها على عنقه ، فعرفه موسى بنور الله تعالى فسلم عليه ، فقال : ما اسمك؟ قال : إسمي برخ ، فقال : أنت طلبتنا منذ حين ، اخرج استسق لنا ، فخرج ، فقال في كلامه : اللهم ما هذا من فعالك ، وما هذا من حلمك ، وما الذي بدالك! أنقصت عليك عيونك ، أم عاندت الرياح عن طاعتك ، أم نفد ما عندك! أم اشتد غضبك على المذنبين ، الست كنت غفاراً قبل خلق الخاطئين؟! خلقت الرحمة ، وأمرت بالعطف ، أم ترينا أنك ممتنع ، أم
__________________
١ ـ أخرجه المجلسي في بحار الانوار ٨٢ : ١٥٠.
٢ ـ دلائل النبوة ٦ : ٥٠ باختلاف في ألفاظه ، وأخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥١.