المتعارف كذلك يوصف به لكونه اقل مما يقتضيه المقام بحسب الظاهر ، وانما قلنا بحسب الظاهر لانه لو كان اقل مما يقتضيه المقام ظاهرا وتحقيقا لم يكن فى شىء من البلاغة مثاله قوله تعالى (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) ، من الاية فانه اطناب بالنسبة الى المتعارف اعنى قولنا يا رب شخت وايجاز بالنسبة الى مقتضى المقام ظاهرا لانه مقام بيان انقراض الشباب والمام المشيب فينبغى ان يبسط فيه الكلام غاية البسط فالايجاز معنيان بينهما عموم من وجه.
(وفيه نظر لان كون الشىء امرا نسبيا لا يقتضى تعسر تحقيق معناه) اذ كثيرا ما تحقق معانى الامور النسبية وتعرّف بتعريفات تليق بها كالابوة والاخوة وغيرهما.
والجواب انه لم يرد تعسر بيان معناهما لان ما ذكر بيان لمعناهما بل اراد تعسر التحقيق والتعيين فى ان هذا القدر ايجاز وذلك اطناب (ثم البناء على المتعارف والبسط الموصوف) بان يقال الايجاز هو الاداء باقل من المتعارف او مما يليق بالمقام من كلام ابسط من الكلام المذكور (ردّ الى الجهالة) اذ لا تعرف كمية متعارف الاوساط وكيفيتها لاختلاف طبقاتهم ولا يعرف ان كل مقام اى مقدار يقتضى من البسط حتى يقاس عليه ويرجع اليه.
والجواب ان الالفاظ قوالب المعانى والاوساط الذين لا يقدرون فى تأدية المعانى على اختلاف العبارات والتصرف فى لطائف الاعتبارات لهم حد معلوم من الكلام يجرى فيما بينهم فى المحاورات والمعاملات وهذا معلوم للبلغاء وغيرهم فالبناء على المتعارف واضح بالنسبة اليهما جميعا.
واما البناء على البسط الموصوف فانما هو معلوم للبلغاء العارفين لمقتضيات الاحوال بقدر ما يمكن لهم البسط فلا يجهل عندهم ما يقتضيه كل مقام من مقدار البسط.
(والاقرب) الى الصواب (ان يقال المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية اصله بلفظ مساوله) اى لاصل المراد (او) بلفظ (ناقص عنه واف او بلفظ زائد