وايضا فلمّا جوزّ وجود المكنى عنها بدون التخييلية كما فى انبت الربيع البقل ووجود التخييلية بدونها كما فى اظفار المنية الشبيهة بالسبع فلا جهة لقوله ان المكنى عنها لا تنفك عن التخييلية (والّا) اى وان لم تقدر التبعية الّتى جعلها السكاكى قرينة المكنى عنها حقيقة بل قدرها مجاز (فتكون) التبعية كنطقت الحال مثلا (استعارة) ضرورة انه مجاز علاقته المشابهة والاستعارة فى الفعل لا تكون الا تبعية فلم يكن ما ذهب اليه السكاكى من رد التبعية الى المكنى عنها (مغنيا عما ذكره غيره) من تقسيم الاستعارة الى التبعية وغيرها لانه اضطر آخر الامر الى القول بالاستعارة التبعية.
وقد يجاب بان كل مجاز تكون علاقته المشابهة لا يجب ان يكون استعارة لجواز ان يكون له علاقة اخرى باعتبارها وقع الاستعمال كما بين النطق والدلالة فانها لازمة للنطق بل انما يكون استعارة اذا كان الاستعمال باعتبار علاقته المشابهة وقصد المبالغة فى التشبيه ، وفيه نظر لان السكاكى قد صرح بان نطقت ههنا امر مقدّر وهمى كاظفار المنيّة المستعارة للصورة الوهمية الشبيهة بالاظفار المحققة ولو كان مجازا مرسلا عن الدلالة لكان امرا محققا عقليا على ان هذا لا يجرى فى جميع الامثلة.
ولو سلم فحينئذ يعود الاعتراض الاول وهو وجود المكنى عنها بدون التخييلية.
ويمكن الجواب بان المراد بعدم انفكاك الاستعارة بالكناية عن التخييلية ان التخييلية لا توجد بدونها فيما شاع من كلام الفصحاء اذ لا نزاع فى عدم شيوع مثل اظفار المنية الشبيهة بالسبع.
وانما الكلام فى الصحة ، واما وجود الاستعارة بالكناية بدون التخييلية فشائع على ما قرره صاحب الكشاف فى قوله تعالى (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ*) ، وصاحب المفتاح فى مثل انبت الربيع البقل ، فصار الحاصل من مذهبه ان قرينة الاستعارة بالكناية قد تكون استعارة تخييلية مثل اظفار المنية ونطقت الحال وقد تكون استعارة تحقيقية على ما ذكر فى قوله تعالى (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) ان البلع استعارة عن غور الماء فى الارض والماء استعارة بالكناية عن الغذاء ، وقد تكون حقيقة كما فى انبت الربيع.