هو بكفّه على طريق الكناية لانّه اذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد ثبت له الشرب بكف كريم ومعلوم انه يشرب بكفه فهو ذلك الكريم ، وقد خفى هذا على بعضهم فزعم ان الخطاب ان كان لنفسه فهو تجريد والا فليس من التجريد فى شيىء بل كناية عن كون الممدوح غير بخيل ، واقول الكناية لا ينافى التجريد على ما قررناه ولو كان الخطاب لنفسه لم يكن قسما بنفسه بل داخل فى قوله (ومنها مخاطبة الانسان نفسه) وبيان التجريد فى ذلك انه ينتزع من نفسه شخصا آخر مثله فى الصفة التى سبق لها الكلام ثم يخاطبه (كقوله لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق ان لم يسعد الحال) اى الغنى فكانه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله فى فقد الخيل والمال وخاطبه.
(ومنه) اى ومن المعنوى (المبالغة المقبولة) لان المردودة لا تكون من المحسنات ، وفى هذا اشارة الى الرد على من زعم ان المبالغة مقبولة مطلقا وعلى من زعم انها مردودة مطلقا ، ثم انه فسر مطلق المبالغة وبين اقسامها والمقبولة منها والمردودة منها فقال (والمبالغة) مطلقا (ان يدعى لوصف بلوغه فى الشدة او الضعف حدا مستحيلا او مستبعدا) وانما يدعى ذلك (لئلا يظن انه) اى ذلك الوصف (غير متناه فيه) اى فى الشدة او الضعف ، وتذكير الضمير وافراده باعتبار عوده الى احد الامرين (وتنحصر) المبالغة (فى التبليغ والاغراق والغلوّ) لا بمجرد الاستقراء بل بالدليل القطعى.
وذلك (لان المدعى ان كان ممكنا عقلا وعادة فتبليغ كقوله فعادى) يعنى الفرس (عداءا) هو الموالاة بين الصيدين يصرع احدهما الى اثر الاخر فى طلق واحد (بين ثور) يعنى الذكر من بقر الوحش (ونعجة) يعنى الانثى منها (دراكا) اى متتابعا (فلم ينضح بماء فيغسل) مجزوم معطوف على ينضح اى لم يعرق فلم يغسل.
ادعى ان فرسه ادرك ثورا ونعجة فى مضمار واحد ولم يعرق ، وهذا ممكن عقلا وعادة (وان كان ممكنا عقلا لا عادة فاغراق كقوله ونكرم جارنا ما دام فينا ، ونتبعه) من الاتباع اى نرسل (الكرامة) على اثره (حيث مالا) اى سار وهذا ممكن