القريب من التخلّص ما يكون بلفظ هذا كما في قوله تعالى بعد ذكر اهل الجنة (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) فهو اقتضاب فيه نوع مناسبة وارتباط لأنّ الواو للحال ولفظ هذا اما خبر مبتدأ محذوف (اى الامر هذا) والحال كذا (او) مبتدأ محذوف الخبر اى (هذا كما ذكر) وقد يكون الخبر مذكورا (مثل قوله تعالى) بعد ما ذكر جمعا من الانبياء عليهم السلام وأراد أن يذكر بعد ذالك الجنة واهلها (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) باثبات الخبر اعنى قوله ذكر وهذا مشعر بأنه في مثل قوله تعالى (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) مبتدأ محذوف الخبر ، قال ابن الاثير لفظ هذا في هذا المقام من الفصل الذي هو احسن من الوصل وهي علاقة وكيدة بين الخروج من كلام إلى كلام آخر ، (ومنه) أي من الاقتضاب القريب من التخلّص (قول الكاتب) هو مقابل للشاعر عند الانتقال من حديث إلى آخر (هذا باب) فان فيه نوع ارتباط حيث لم يبتدئ الحديث الآخر بغتة.
(وثالثها) اى ثالث المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنّق فيها (الانتهاء) لانّه آخر ما يعيه السمع ويرتسم في النفس فان كان حسنا مختارا تلقاء السمع واستلذه حتى جبر ما وقع فيما سبقه من التقصير وإلا لكان على العكس حتّى ربما أنساه المحاسن الموردة فيما سبق فالانتهاء الحسن (كقوله وانى جدير) اى خليق (اذ بلغتك بالمنى) أي جدير بالفوز بالاماني (وانت بما املت منك جدير ، فان تولنى) اي تعطني (منك الجميل فاهله) أي فأنت أهل لاعطاء ذلك الجميل (والا فاني عاذر) اياك عمّا صدر عنى من الابرام (وشكور) لما صدر عنك من الاصغاء إلى المديح أو من العطايا السالفة.
(واحسنه) أي أحسن الانتهاء (ما اذن بانتهاء الكلام) حتى لا يبقى للنفس تشوّق إلى ما وراءه (كقوله بقيت بقاء الدهر يا كهف اهله ، وهذا دعاء للبرية شامل) لأن بقاءك سبب لنظام امرهم وصلاح حالهم ، وهذه المواضع الثلاثة مما يبالغ المتأخرون في التأنق فيها واما المتقدمون فقد قلّت عنايتهم بذلك (وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها) من البلاغة لما فيها من التفنن