اعلم (١) ـ أسعدك الله تعالى ـ أن الصّراف (٢) يحتاج (٣)
______________________________________________________
(١) قوله : (اعلم أسعدك ... إلخ) كلمة اعلم للتنبيه ، وهي كلمة تذكر في أول الكلام لإيقاظ الغافلين على نكتة ، وقيل : هي كلمة تذكر في أول الكلام تشويقا إلى ما سيأتي من بعد ، فلما كان المخاطب متشوقا كان طالبا ، ومعلوم أن الحصول بعد الطلب أوقع في الذهن.
وإنما قال : اعلم ولم يقل : اعرف ؛ لأن استعمال العلم في الكليات ، واستعمال المعرفة في الجزئيات ، فلما كان الصّرف عبارة عن القوانين الكلية اختار اعلم دون اعرف.
وإنما لم يقل : افهم ؛ لأن استعمال افهم في كلام سبق ذكره ؛ ليفهم المخاطب مضمونه ، واستعمال اعلم في كلام مبتدأ ، والمقصود به التشويق إلى ما سيأتي.
وإنما لم يقل : اقرأ ؛ لأن القراءة دالة على مجرد التّلاوة دون العلم ، بخلاف اعلم فإنه يدل على القراءة مع العلم بمضمون ذلك الكلام.
وقوله : (أسعدك ... إلخ) جملة دعائية معترضة وقعت بين اعلم ومعموله ، وهو «أن الصرّاف» والتعبير بلفظ الماضي للتفاؤل وإن كان مستقبلا في الواقع. اه حنفية.
(٢) قوله : (أن الصرّاف) صراف بالفتح وتشديد راء ، والصراف صيغة مبالغة ، مثل : أكّال فيها معنى الكثرة.
فإن قيل : الصرّاف من يعلم الصّرف ، ومن يعلم الصّرف لا يحتاج إلى تلك المعرفة ، فلم قال : يحتاج؟.
قلنا : المراد به الشارع في الصّرف ، وإنما عبر عنه به إمّا بتأويل الإرادة ، أي : من أراد أن يكون صرّافا ، وإمّا تفاؤلا كأنه حين شرع صار صرافا ، وإمّا باعتبار ما يؤول إليه ، كما في قوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [يوسف : ٣٦] والمعصور العنب.
ثم لا يخفى عليك أن المبتدئ لكل علم إنما يحتاج أولا إلى معرفة حده وموضوعه ومبادئه وغرضه ، ثم إلى مسائله وإنما لم يذكرها روما للاختصار ليسهل على المبتدىء ضبط المسائل التي هي المقصودة في هذا الفن.
فنقول : الصّرف علم بأصول يعرف بها أحوال الأبنية التي ليست بإعراب وبناء ، فلما كان قولنا : علم شاملا للمقصود وغير المقصود ، أردفناه بما يخرج سوى المحدود ، فخرج بقولنا : يعرف بها أحوال أبنية الكلم سوى النحو والصّرف. وبقولنا : ليست بإعراب وبناء علم النحو بأقسامه وموضوعه نفس الأبنية مطلقا ، أي : مع قطع النظر عن الحركات والسّكنات ، ومبادئه تعريف الصحيح والمضاعف وغير ذلك ، وغرضه الاقتدار على الاحتراز عن الخطأ في حروف الكلمة. اه حنفية وفلاح.
(٣) قوله : (يحتاج) وذلك لأن من لم يعرف الأقسام السّبعة ، والتغيرات الواقعة فيها لا يحصل له معرفة الأوزان ، لأن من لا يعرف أنّ كان مثلا من أيّ قسم من هذه الأقسام ، ولا يعرف التغيير الواقع فيه ، ولا قاعدته ، لا يعلم أن وزنه فعل بالتّحريك أو التّسكين. اه جلال الدين.