وقولهم : «مشرب عذب» و «مركب فاره» من باب : جرى النّهر (١) ، وسال الميزاب ، والله أعلم.
______________________________________________________
الصناعي ؛ إذ فساده حينئذ ظاهر ، وليس كذلك بل مراد الكوفيين من التأكيد اللغوي خاصة فلا يلزم من كون اللفظ الأول أصلا بالنسبة إلى الثّاني في الإعراب كونه كذلك في الاشتقاق.
وأيضا إنا لا نجد في ضربت إعرابا أصليا ، يتبعه إعراب ضربا هذا ونحن نستعين بالله ونقول باستعانته :
الجواب الصحيح أن يقال : المؤكدية بالمعنى الذي أراده لا تدل على الأصالة في الاشتقاق ، بل في غرض المتكلم في نظم الكلام ، فهو أمر قد يتبدل عن تبدل الأغراض. كما إذا قلت :
زيد قائم لا قاعد ، كان قائم مؤكدا وأصلا ولا قاعد مؤكدا. وفرعا ، فإذا عكست وقلت : زيد لا قاعد بل قائم ، صار الأصل فرعا والفرع أصلا ، وأمثال ذلك كثيرة ، والأصالة في الاشتقاق ، أمر لا يتبدل وكل ذلك ظاهر بصواب التأمل وعلى هذا الجواب يندفع ما قيل : إن مدعى الكوفية هو أصالة الفعل في الاشتقاق لا مطلقا ثم أثبت مدّعاهم ، بدليل هو كون المصدر تأكيدا للفعل ، والتأكيد يدل على الفرعية في الاشتقاق فتفتقر البصرية بقولهم : جاءني زيد زيد ليس بشيء ؛ إذ زيد مما يصح أن يشتق منه شيء لكونه من الجوامد ، وإنما المدعى اشتقاق الثّاني من الأول فيما يصح أن يشتق أحدهما من الآخر. تأمل. اه فلاح بزيادة.
قوله : (زيد زيد) وأيضا تقول : ضربا في ضربت ضربا ، لا يؤكد الفعل بل المصدر الذي في ضمن الفعل. قال الفاضل الرضي : وهو يعني ضربا في ضربت ضربا في الحقيقة تأكيد للمصدر المضمون ، لكنهم سموها تأكيدا للفعل توسعا ، وإذا لم يكن الفعل مؤكدا بالمصدر في الحقيقة لم يكن له أصالة بالنسبة إلى المصدر أصلا ، فضلا عن الأصالة في الاشتقاق.
اه فلاح بتصرف.
(١) قوله : (جرى النهر ... إلخ) أي : من باب المجاز الذي ذكر المحل وإرادة الحال ، لا من قبيل ذكر المصدر وإرادة المفعول كما ذكرتم ، يعني : أن مشربا ومركبا اسمي مكان يراد بهما ما حل في ذلك المكان ، فيراد من مشرب ماء حل فيه ، ومن مركب فرس حمل فيه ، فمعنى مشرب عذب ماء عذب ، ومعنى مركب فاره فرس فاره ، كما أن النهر موضع يراد به ما حل فيه وهو الماء فيكون معنى جرى النهر الماء فيه.
أقول : المشرب يكون مصدرا ميميا واسم مكان فكلا المعنيين سائغ ، لكن ما قاله الكوفيون شائع ، وأمّا المركب فهو لا يكون إلا مصدرا بمعنى المفعول حتى كان كأنه اسم لما يركب فلا يكون من باب جرى النهر.
والأولى في الجواب أن يقال : لا يلزم من كون المشرب والمركب بمعنى المشروب