تجاوز الأفراد الآخرين. وهم بعد أن يخمدوا الحرائق يغلقون المنافذ ، وعلى هذا الأساس يظهر للسوق منظر كئيب موحش. ولكن خلال يومين أو ثلاثة أيام عند ما تهمد النيران تماما ولا يخافون شيئا يعودون إلى دكاكينهم بغير اضطراب ولا قلق ، ويبدأون برفع التراب عن بضائعهم ، وفي مدة قليلة تتم هذه العملية وترجع لتلك المحال سابق عهدها كما كانت تماما!
كان الحريق قد ابتدأ من أقدم أقسام السوق أي على مقربة من البناء العظيم وأقصد «خان أرتمه» ولو لم يقوموا بإطفاء النار لكانت هذه البناية التاريخية والتي تعد من أهم المراكز التجارية لبغداد الآن أثرا بعد عين!
وخان أرتمه عبارة عن بناء مستطيل الشكل له سقوف جميلة مهيبة تدل على فن معماري عريق ، وتزينه من الخارج بعض الأعمدة التي تكون بمثابة سند للحنايا الكبيرة الثقيلة ، وهذه الأعمدة يفصل الواحد عن الآخر مسافة ثلاثة أمتار! أما الحنايا فعلى نوعين كبيرة وصغيرة وكل منها تتصل بالأخرى. وعلى النوع الأخير بعض القبب المشبكة بحيث يكون للقسم المرتفع منها اتصال بالحنايا الكبيرة وينفذ خلالها النور!
وفي نهاية هذا البناء الضخم جدار طويل متكوّن من طبقتين لهما سياج مشبك وهذا السياج يعمل على إضاءة الخان وتنويره!!
وفي القسم السفلي من الحنايا أيضا منافذ تمر خلالها أشعة الشمس وتساعد ذلك السياج والقبب الصغيرة المذكورة على التنوير. والموزاييك ذو اللون الواحد الذي أنشئ به السقف وبعض المرافق الأخرى له منظر جميل جذاب يأخذ بألباب النظار ، ولا سيما عند ما يسقط عليه نور الشمس الوهاج!
وأكثر أقسام هذا البناء روعة هو الإيوان الذي يحيط بجوانبه من الأعلى ، الذي بذل مصممه جهدا جهيدا لإخراجه بهذه الروعة الأخاذة. ومن البديهي أنه إذا أراد المعمار أن يزين أبنيته بقطع صغيرة من الآجر بشكل ظاهر فلا يكون في مكنته أن يجعل من تلك التزيينات الظاهرة محكمة قوية ، إلّا أن المعامير (١)
__________________
(١) المعامير : جمع المعمار. «المترجم»