الإنسان الذي يعبر خلال تلك الأسواق أن يستعمل العصا في عبوره وفي شق الطريق له.
إن من يعتاد أكلات أهالي بغداد لا يجد في تهيئة غذائه صعوبات مادية إذ يستطيع أن يشتري الدجاج المنزلي وأنواع الطيور الأخرى بأسعار زهيدة جدّا. والخروف الجيد لا يزيد ثمنه على ستة فرنكات. والأسماك كثيرة ومبتذلة لدرجة تدعو إلى الدهشة ، والخضراوات والفواكه أمثال البطيخ والرقي التي تجلب من المناطق العليا من بلاد بين النهرين كثيرة بحيث تملأ الخانات أكواما فوق أكوام حتى أنها تكاد تشكّل هضابا ولا تستطيع بسهولة أن تعبر بينها.
وأحجام الزوارق التي تحمل هذه الفواكه والخضراوات لا تقاس طبعا بأحجام الزوارق المعروفة لدينا في أوروبا ..
ومن الطبيعي أنه ينبغي أن ننظر بدهشة وإكبار لهؤلاء الناس الذين قبل أن يحل الغروب تستوعب أجوافهم كل هذه الكميات الكبيرة من الفواكه والخضروات. أما أنا إذا ضعت ولم أستطع أن أجد محلي فلا أرضى بأي حال من الأحوال أن أعيش في هذه الناحية التي تتميّز بكثرة نعمتها وبثروتها ، اللهمّ إلّا إذا طهرت من الموظفين الترك ومخاطر مرض الطاعون و «الأخت البغدادية» ولا يفوتني أن أقول إن البلاءين الأخيرين عندي هما أسهل تحملا ـ أي الطاعون والأخت البغدادية ـ من وجود الموظفين الترك؟!
٢١ ديسمبر ١٨٨١ :
صرفنا النظر عن زيارة قصور سارجن وسنحاريب (١) التي تبعد كثيرا عن بغداد ولكنا لا نستطيع بحال أن نصرف النظر عن زيارة برج بابل وحيطان هذه المدينة العظيمة وحدائقها المعلقة التي نسمع عنها منذ طفولتنا الأولى فتثير اهتمامنا وشغفنا.
__________________
(١) سارجن وسنحاريب هما من ملوك آشور القدماء.