ديارهن القروية القريبة. وإذا تأملتهن رأيتهن يدمجن بضائع الزينة النسوية المعروضة في تلك الدكاكين كالأساور والأقراط وما سواها بكثير من الدهش والتمني والرغبة.
وهاته النسوة يسرن في الشوارع سافرات الوجوه لا يحجبها شيء سوى (المقنعة) السوداء الصوفية التي تحيط برؤوسهن ويضم قسما من جبينهن وذلك على ما أعتقد ـ لكي يكون حجابهن رمزيّا وتشبها بالنساء البغداديات إلى حد ما!
وتستطيع أن ترى من قرب وجوه وأجسام هذه النساء بكل وضوح على خلاف من سواهن من نساء هذه البلاد ، ولكن الشيء الجدير بالذكر هو أنك لا تجد فيهن سمات الجمال والجاذبية التي وجدتها في نساء قبائل الفيلية العربية (١). وأعتقد أن مردّ ذلك هو الأعمال الشاقة والمسؤوليات الضخمة التي ألقيت على عواتق هذه النساء القرويات اللاتي يأخذن في العمل سحابة نهارهن وطرفا من الليل حتى أودى ذلك بصحتهن وامتص رونق الجمال من أوجههن السمر.
ولعلك تسأل ـ بعدئذ ـ عن وظائف أو بالأحرى عن أعمال رجال هذه القرى فأقول لك إنها تنحصر في الصيد أو الغارة والسرقة من مزارع وحقول الآخرين؟!!
والخلاصة .. إن رحلتي في عاصمة الخلفاء وأعني بغداد قد انتهت بزيارة الميادين الواسعة التي تباع فيها الحبوب. وفي اعتقادي ليس ثمة منظر أبهى وأجمل من تلك الميادين التي تشبع كل يوم الآلاف من أصحاب البطون الخاوية. إذ تطالعك مشاهد جذابة من أكوام تلك المزروعات في تلك الميادين والناس في ذهاب وإياب بعد أن أخذوا حاجاتهم منها.
.. والواقع أن لهذه الميادين مناظر جذابة رائعة ولا سيما عند بزوغ الشمس ففي هذا الوقت يشتد ازدحام الناس للشراء والبيع هناك حتى يضطر
__________________
(١) الفيلية من قبائل الأكراد لا قبائل العرب. «المترجم»