كنّا نسير فيه ـ في حالة الجزر ـ وهددنا الخطر واستولى علينا الخوف أكثر من قبل. ولكن الله كان في عوننا ، ولم يذهب دعاء الدرويش الشيخ (١) لنا عبثا إذ سرعان ما لاحت لنا عن كثب سفينة شراعية تحمل حنطة ، فبادرنا بالتلويح لها والإشارة إلى ما نحن فيه من مأزق. فدنت منّا ورمت إلينا بحبل محاولة إنقاذنا ولكن الطالع السيّئ أبى إلّا أن يحبط هذه المحاولة ويسقط الحبل دوننا وأن تحمل الريح السفينة الشراعية بعيدا عنّا بسرعة عقلت ألسنتنا وبعثت في نفوسنا اليأس والخوف.
بيد أن مارسل أمر أن تحرّك ماكنة الزورق المطفأة وأن يغطى مخزن البخار بغطاء ثخين فورا. وعلى أثر هذا تزايدت قوة النار ودفعت الزورق بسرعة إلى أمام في أثر السفينة الشراعية. ومن حسن الحظ تباطأت السفينة بسيرها بسبب الرياح المعاكسة التي هبّت في تلك اللحظة ولانعطاف مجرى النهر فاستطعنا أن نلحق بها وأن نربط زورقنا ربطا محكما بمؤخرتها. وأخيرا وقبيل بزوغ الشمس وصلنا إلى المحمرة (٢). وهنا قيل لنا إنه ينبغي لنا ترك زورقنا في هذا الساحل لأنه من الصعوبة بمكان أن يقدر على قطع الشط ويصل بسلام إلى الفيلية. أخذنا بهذا الرأي من غير تردد لما كنا قد لقيناه من المتاعب في عبور نهر كارون ومخافة أن تعاد المأساة مرّة أخرى. فتركنا زورقنا وذهبنا لزيارة البصرة وبغداد أوّلا على أن نعود لزيارة خوزستان في وقت آخر.
الوصول إلى البصرة عمل سهل فالقوارب تستطيع أن تقطع المسافة إليها من المحمّرة في ثماني ساعات والطريق غير محفوف بمخاطر ولا بمشاق. ولكن الذي يشتد ويشق احتماله على المسافر من هذا الطريق هو وجوب بقائه مع كافة أمتعته في «الكرنتينة» في الساحل العثماني ـ وتقصد المؤلفة بالبداهة ساحل البصرة العراقي ـ زهاء عشرة أيام حال وصوله إليه بحجة منع انتقال وباء الطاعون إلى البلاد!
__________________
(١) صادفت الرحالة هذا الدرويش في إيران ودعا لها بالتوفيق في سفرها.
(٢) أمر رضا شاه بإبدال اسم هذه البلدة ب (خرمشهر).