الرجال منهم لم يقولوا شيئا على ما كان يظهر لنا.
ولقد وضح لدينا أن هاته النسوة كن ينفعلن من رؤيتنا بحيث لا يستطعن إخفاء شعورهن المعادي لنا أو إسماعنا الكلمات الجارحة. ولعل مردّ ذلك تحديقنا في وجوههن أو الكراهية المتأصلة في قلوبهن ضد الأوروبيين.
وعلى أي حال لم يمنعنا ذلك من التطلع إليهن وإن كانت وجوههن دميمة تبعث على القرف والاشمئزاز وأجسامهن قذرة تقذي العين. كان اشمئزازهن لنظراتنا عظيما لدرجة أنهن كن يتمنين لو اتصفن بمزايا وخصائص «مدوز» (١) حتى يستطعن تجميد نظراتنا والتخلص منها.
وقبل أن تتحقق أمنية هاته القرويات لفت نظرنا منظر غابات النخيل والليمون المتناثرة على جانبي الطريق ، وغمرنا جوها الرائع الجميل بحيث نسينا السائرين جميعا النساء والرجال على حد سواء إلّا أنه لم يطل تمتعنا كثيرا بهذه المناظر المزدهرة فسرعان ما رأينا أنفسنا على عتبة باب المدينة.
وأمام هذا الباب الذي يقال إنه من المباني العتيقة ساحة واسعة كان يشغلها عدد من الحجارين المنهمكين في قطع وصقل الأحجار والصخور المستعملة في تشييد المقابر وما شابه ذلك. وكان قسم من هذه الصخور مصقولة ومهيأة للبيع ، والقسم الآخر في طريق إكمالها وعرضها على الطالبين.
ولقد علمت أن هؤلاء الحجارين اتخذوا هذا المكان لاستقبال القادمين من أفراد القوافل الذين كثيرا ما يقدمون الى هذه المدينة لدفن موتاهم فيها. وبمجرد أن يطأ هؤلاء الغرباء أرض هذه الساحة يحيط بهم أولئك الحجارون من كل جانب ، فيعرضون عليهم بضاعتهم بإلحاح وإلحاف مملين مزعجين. وبعد مساومة تطول في أكثر الأحيان يتفق الجانبان على الثمن ، وعلى الأثر
__________________
(١) Meduse شخصية خرافية تمثّل عذراء كانت على جانب كبير من الجاذبية والجمال إلّا أنها أهانت إله العقل فغضب عليها غضبا شديدا ، وقلب خيوط شعرها الجميل الرائع الذهبي إلى أفاع خطرة موحشة ، ووضع في عينيها قوة تحوّل كل من تنظر إليه إلى أحجار وصخور جامدة؟!