وبعد مدة اجتزنا بابا إلى شارع كان يبدو أنه شق حديثا. ولقد توقف أدلتنا في وسط هذا الشارع ودخلوا منزلا قذرا مظلما يحوي حجرا ضيقة!
ولم نر نحن بدّا من قبول النزول في هذا البيت على علاته الكثيرة وقذارته ، ذلك لأن مدينة كربلاء تعد أكبر وأهم العتبات المقدسة لدى جمهور كبير من المسلمين ، ويؤمها سنويّا عدد ضخم لا قبل لها باستيعابه على رغم كثرة خاناتها ومنازلها ودورها المخصصة لإقامة الزوار. ثم إنه كان ينبغي لنا أن نبعد عن الزوار ما استطعنا؟!
وبعد أن اطمأن بنا المكان الذي وضع في تصرفنا وهو الطبقة التحتانية الرطبة ارتقيت الدرج إلى السطح وأخذت من هناك التطلع إلى منظر المدينة الرائق ومشاهدة قبة ومنائر مرقد الإمام الحسين المذهبة على الجهة اليسرى ، أما الجهة الأخرى فكانت فيها قبة صنعت من الكاشي الأزرق يغلب على الظن أنها في أواخر العهد الصفوي.
ينبغي لنا الآن أن نحسن التصرف والحكمة كالسياسيين لأنه نريد أن نزور المرقد الشريف هذا الذي لا يقل احترامه لدى الإيرانيين عن الكعبة بيت الله الحرام من دون أن يكون لنا ما يجيز لنا هذه الزيارة الخطرة. ولأجل هذه الغاية نفسها تحملنا كل هذه المصاعب والمشاق في سفرتنا ، وفضلنا أن نسكن هذا المكان الرطب القذر الذي يكاد يشبه الزريبة ، إلّا أن زوجي «مارسل» كان قد اعتبر بواقعة الكاظمين وهيأ كل ما يلزم لزيارتنا هذه ، فأخذ من بغداد عدة توصيات لرجال الدين ووجوه البلد والمسؤولين في كربلاء لمساعدتنا وتسهيل أمرنا.
وفي البداية ذهبنا لمقابلة القنصل الإيراني ، ووجدناه رجلا لطيفا يبلغ عمره أربعا وثمانين سنة متغضن الوجه حلو اللقاء. ووجدنا حوله عددا من رجال الدين والقراء والمراجعين. وما إن رآنا حتى صرف جماعة من زائريه ومراجعيه وأجل مقابلة الآخرين إلى اليوم الثاني ليتفرغ لمقابلتنا ، وبعد أن ترك الجميع المنزل ولم يبق فيه إلّا أفراد عياله أصغى إلى ما كنا قد أتينا من أجله ولقد أجاب عن ذلك بقوله : «إنه لم يتفق قبل الآن أن استطاع شخص نصراني