يقف في طريقكم ما دمتم تحملون مثل هذا الكتاب» وهنا صاح بخدمه ليهيئوا له جواده المطهم ويذهب بنفسه إلى الكليدار وعرض القضية عليه ، وقال لنا إنه سوف يعود بعد مداولته ليخبرنا بالنتيجة ..
وعند العصر دخل حجرتنا جماعة من القراء والشيوخ المعممين وأخذ كل منهم في تقديم التهنئة بوصولنا بالسلامة وقراءة التحية والترحيب بنا ، ثم تركوا الكلام لأحدهم فأخذ يخطب وبعد أن أفاض بمقدمة أدبية طويلة قال إنه من دواعي سرور القنصل أن نحل في منزله وأن نطلب مساعدته وإنه من دواعي الشرف للكليدار أن يتلقى مثل هذه التوصية من والي بغداد ، ثم راح يشرح لنا عظمة وجلالة المرقد المطهر الذي زاره شاه إيران مشيا على قدمه عند ما كان في هذه المدينة ، وبعدها قال إنه ينبغي لنا أن نكون في غاية الشكر والاعتراف لأنه لم يسمح قبلا للأجانب بزيارة الضريح الشريف وأن نعد هذه الزيارة فرصة ذهبية قيمة» .. هذه الزيارة التي لا تتم إلّا من سطح إحدى الدور القريبة من المرقد وبعد أن نضع فوق رؤوسنا طرابيش الترك الحمر كيلا نكون موضع ريبة وشك؟!
وبعد أن سكت الخطيب الذلق اللسان تكلّم مارسل فقال : إنه يسره إبداء الشكر الجزيل للعطف الذي قوبل به لزيارة المرقد المطهر من سطح إحدى الدور؟! إلّا أنه يبدي أسفه على أنه لا يستطيع في حال من الأحوال تبديل ملابسه. ولا سيما تبديلها بملابس تركية وارتداء شعار الترك الذين لا يكره أحدا بقدر كرهه إياهم».
وعلى خلاف ما كنت أنتظر ، ترك قول مارسل هذا أثرا حسنا في نفوس القوم لأنه نال به من رجال الترك وحط من أقدارهم (١) .. وبعد تبادل الابتسام والهمس بينهم ضربوا لنا موعدا في الصباح الباكر من اليوم الثاني وذلك بأن يأتوا فيأخذونا إلى دار قريبة نشاهد من سطحها مرافق وأنحاء المرقد الشريف وذلك قبل فتح أبوابه ومن دون أن نغير ملابسنا وكان ذلك حسب طلبنا.
__________________
(١) تعني السائحة : نال قوله الرضا عند أولئك الشيعة المبغضين للترك. «المترجم»