٢٨ ديسمبر ١٨٨١ :
جلست أنتظر قدوم القوم قبل أن تبزغ الشمس وتمحو أشعتها ظلمة الليل البهيم إلّا أن انتظاري طال وملأ النور قبة السماء وتلألأت المنائر المذهبة بالضياء ولا أثر لهؤلاء المعممين ، أي مضت ساعتان على الموعد المضروب ولم يأتوا ليأخذونا إلى المنزل القريب من المرقد المطهر لزيارته من السطح؟! وعيل صبر مارسيل فأرسل مندوب حكومة بغداد الذي كان يرافقنا إلى دار القنصل الإيراني ليستوضحه سبب تأخر القوم عن الحضور. ثم خرجنا لنتفرج على مرافق المدينة ومررنا بمقابر وسيعة. وإلى جانب مقابر المتمولين والسراة الواقعة على أطراف الصحن وضريح الإمام مقابر واسعة خارج المدينة وهي لعامة الناس والفقراء منهم. وتظلل هذه المقابر أشجار كثيرة ولها منظر جذاب جميل في هذا المكان الموحش. وأينما سرنا في هذه المدينة نلتقي برجال دين معممين بعضهم شيوخ لهم وجوه متغضنة معطبة والبعض الآخر في مقتبل العمر يموج في وجناتهم ماء الشباب.
تعد هذه المدينة بمثابة جامعة كبيرة يؤمها الطلاب من مختلف أصقاع البلاد الإسلامية لتلقي علوم الدين ، ويقضون فيها لهذا الغرض أكثر سني حياتهم. ويعيش هؤلاء الطلاب جميعا الصغير والكبير الشاب والهرم على التبرعات التي يتبرع بها الزوار ووجوه المسلمين الذين يعيشون خارج هذه المدينة. ويقدم الزوار لهذه الغاية أموالا طائلة عن طيب نفس ، وفي بعض الأحيان يتبرعون بأثاث وسجاجيد ثمينة وأوان من الفضة التي يجلبونها معهم وذلك للحصول على ثواب الآخرة.
وبعد أن رجعنا إلى المنزل كان في انتظارنا رسول جاء ليبحث معنا مسألة تبديل شعار الرأس عودا على بدء؟!. بيد أن مارسل ضاق ذرعا بهذه السياسة وكان متعبا لهذه المعاملة فلم يصغ إلى حديث الرسول وصاح بالخدم أن يهيئوا الجياد لترك هذه المدينة في أسرع ما يمكن.
والخلاصة أننا خرجنا من كربلاء ويممنا وجهنا شطر بغداد ..