لها زعيم ديني إلى سنة خلت. فالأطفال يولدون والموتى يدفنون دون القيام بأي مرسوم من المراسيم الدينية المعتادة قط. اللهم إلّا في أيام العيد فقد كان يقدم راهب من الموصل أو بغداد ويقيم في هذه المدينة مدة قصيرة يقوم خلالها ببعض المهام المذهبية ويرسم الخطط العامة للإدارة الدينية ثم يقفل راجعا من حيث أتى. أما الآن فعلى العكس فالموتى قبيل أن يجودوا بأنفاسهم الأخيرة تقع أعينهم على وجه الراهب ويسمعون أدعية العزاء والتسلي ، كما يستطيعون أن يعترفوا بخطاياهم وآثامهم. وكذلك المواليد الأحداث يعمّدون على حسب الشعائر الخاصة والزواجات لا تتم إلّا عن طريق الكنيسة أيضا.
وبعد انتهاء مراسم العبادة هذه دعانا رؤساء الطائفة النصرانية أن نرافقهم إلى دار الراهب. ولبينا هذه الدعوة مسرورين دون أدنى تأخر.
ورأينا منزل الراهب الصغير المتواضع المشيد بالطين والآجر الذي لا يبعد كثيرا عن الكنيسة. والواقع أن منزله لم يكن إلّا حجرة واحدة هي محل استقباله لضيوفه وهي محل نومه في الوقت نفسه وعلى هذا الأساس لم نطلق عليه اسم منزل إلّا على سبيل المجاز ليس إلّا؟!
ومما لفت نظرنا في هذا المنزل .. عفوا .. هذه الحجرة صندوق من الخشب اتخذه الأب الجليل كرسيّا له ومخزنا لبعض أثاثه. كما وجدنا على المنضدة بعض كتب الأدعية المقدسة ، ولم نر غير هذا من أثاث هذا الراهب المسكين. والواقع أن كل ما في هذه الحجرة كان يوحي بالمسكنة والفقر ، بيد أنه بدل ذلك كان الراهب يجد فيها فراغا لا يجده في مكان آخر يساعده على الانغمار في أفكاره الروحية العلوية. كما كان يجد هدوءا وسكينة قلما يتاحان له في غير هذا المكان المتقشف النائي.
٥ جنويه :
إن رب إسحاق وإبراهيم ويعقوب رحيم عظيم. وصلت اليوم إلى هنا قافلة من دزفول كانت تحمل بعض المواد التجارية لبيعها ، ولقد أملنا كثيرا أننا نستطيع غدا أن نيمم وجوهنا شطر خوزستان. وبعد بذل جهد جهيد استطعنا أن