يكن في السماء نجم واحد وكان الظلام يملأ الصحراء فلا يستطيعون والحالة هذه من
متابعة السير وأنه ينبغي لنا أن نتوقف إلى الصباح. وقبل أن ينتظروا سماع رأينا
شاهدناهم يذهبون إلى البغال ويرفعون عن ظهورها الأحمال ، وركض زوجي مارسيل إليهم
وأخذ يعمل من الصناديق محلّا لنركن إليه ، ولقد أمضينا فوق هذه الصناديق ليلتنا
تلك بين مياه الأهوار وتحت سيول الأمطار المدرارة حتى بزوغ الشمس. أمضيناها ساكتين
دون أن ننبس ببنت شفة أو دون أن نحاول ذلك قط ، كما أن مرافقينا في القافلة قد
فضلوا السكوت والتزام جانب الهدوء مخافة أن يحدث لنا ولهم مكروه على أيدي أبناء
القبائل الذين هم في هذه المناطق ولقد سمعناهم يقولون لنا : «إنهم مدينون لهم
بمبالغ لم يسددوها وإذا ما علموا بمكانهم الآن فسوف لا يتأخرون أبدا عن مهاجمتهم
وسلب ما يحملون لأنهم يعدون ذلك من حقهم».
والواقع أنه لا يحكم هذا شيء غير القوة فالقوي هو صاحب الحق وكل من كان أقوى فهو الأغلب على من سواه. ولشدة تعب هؤلاء الحراس المرافقين فقد ناموا في مياه المستنقعات ولكن نومهم كان متقطعا وعيونهم لا تحيد عن بغالهم خشية أن تسرق. أما نحن فظللنا فوق الصناديق قابعين وبالقرب منا جلست طباختنا الجديدة كالقرد بين القرود ، والمطر ما زال هاطلا بغزارة شديدة. وفي الساعة الحادية عشرة اشتدّ المطر أكثر من قبل وهبّت ريح صرصر مخيفة. ترى ما أجمل الليل وأسره للذين يركنون إلى منازلهم وهم مشغولون بمعاقرة بنت الدنان ومجاذبة أطراف الحديث مع أهليهم والمقربين إليهم ، وما أصعب وأشق الليل على الذين ضلوا الطريق واضطروا أن يقضوا ليلتهم في مياه الأهوار وتحت هطول المطر الذي لا ينجيهم منه إلّا قبعاتهم المهترية. وأخيرا غلب التعب المظاهر الطبيعية القاسية وذهبت في سنة من النوم العميق دون أن أشعر بشيء حولي.
وما إن امتد أول أشعة الشمس إلى الأفق حتى أفقت من نومي ووجدت زوجي كان قد وضع جميع الألحفة عليّ وقمت من فراشي دون أن أحس بأذى أو ألم في جسمي سوى رجلي اللتين كانتا قد تعرضتا للرطوبة كثيرا البارحة ،