بأمانتهم وصدقهم المثل في تلك البلاد. ويكاد عمل وحرفة هذه الطائفة ينحصران في صياغة الحلي الفضة وفي مصنوعات فلزية من الفضة مزينة بالمينا والرسوم الأخاذة. والحق أن لهم براعة حقا يدعو للعجب في تلك المصنوعات (المينه)!!
والصابئة ـ بعد كل ذلك ـ يتميّزون بتعصبهم لمذهبهم ومحافظتهم على شعائرهم بحيث لم يستطع قسوس الموصل ورهبان البروستانت بمواعظهم الطويلة وجهودهم الجبارة التي بذلوها طوال سنوات عديدة أن يتركوا أي أثر محسوس في عقائدهم وعاداتهم المتغلغلة في نفوسهم تغلغلا عجيبا!!
سألت الدكتور عن محل إقامة هذه الطائفة وهل في استطاعتي زيارتهم والاطلاع على حياتهم الخاصة من قرب؟
فأجابني مستنكرا بقوله : أتريدين أن تذهبي لزيارة هؤلاء القوم ولم تبرحي الفراش بعد .. وكيف تستطيعين والمياه تغطي السبل المؤدية إلى مدينتهم في هذا الفصل الذي تفيض فيه المياه ، ولو كان لك جناح لقدرت على الطيران ولم تلقي كبير عناء في الوصول إلى منازل الصابئة ، ولكن الآن عليك أن تقطعي الأهوار والمستنقعات ثمانية أيام كاملة لكي تبلغي قصدك وليس هذا في مكنتك وأنت على ما فيه من خور وضعف وما زالت الحمى تهدّدك بالعودة ، إذ إن حمى هذه المدينة لا يستطيع المصاب بها أن ينجو من براثنها مرّة واحدة وبسهولة ، وقد يخيل إليه أنه قضى عليها ولكنه سرعان ما يرى نفسه طريح الفراش يتجرّع أوصاب ألمها وسخونتها.
وهنا رأيتني أقول فجأة وبغير وعي منّي : أيتها الصابئة ليحفظكم الله إنما أزهد في لقائكم مخافة أن تضعوني حيّة في اللحد كما تعملون بمحتضريكم وإلى اللقاء!!
٨ ـ ديسمبر
ما إن تركنا الفراش واستطعنا أن نسير على أقدامنا حتى أخذنا نفكر جدّيا في السفر من البصرة بأسرع ما في الإمكان لننجو بجلودنا من جو هذه المدينة