الرطب الخانق!
ولقد سألنا عن طرق المواصلات التي تربط البصرة ببغداد فقيل لنا إن ثمة شركتين تقومان بتسيير السفن البخارية بينهما الأولى شركة «لنج لندن» التي تسير سفينة كل أسبوع وهي قذرة جدّا لأنه يترك للمسافرين فيها حرية القيام بعمليات الطبخ والغسل في ممراتها وعنابرها. والشركة الثانية يديرها جماعة من الأتراك وتسيّر شهريّا سفينتين بين بغداد والبصرة.
ولقد شاء الحظ والقدر أن تتأخر إحدى سفن هذه الشركة في البصرة بسبب عطب أصابها منذ أسبوع. واغتنمنا هذه الفرصة فأسرعنا في حجز مكان لنا فيها ولكننا ندمنا كثيرا على ذلك ولقينا في سفرتنا هذه الأمرين بحيث لا تكاد تقل عن سائر أيام سفرتنا من الساحل الفارسي إلى هنا! من حيث المتاعب والمشاق.
تسير الأمور في هذه السفينة حسب مشيئة الشيطان أو الترك إنهم على الدوام يتقاضون مبالغ مختلفة من المسافرين بحجج وأسباب واهية ولم يكتفوا بذلك فحسب بل إنهم أخذوا يستعينون بأي طريقة لا بتزاز المال وإن كان في ذلك ما يسيء إلى الركاب ويضايقهم. فإنهم مثلا ملأوا ممرات السفينة بأقفاص الدجاج التي اشتروها من البصرة لبيعها في بغداد بربح زهيد لا يسوى شروى نقير! كما أن الموظفين الترك المغرورين ملؤوا مخازن السفينة بأمتعتهم وحوائجهم كلها لدرجة أنهم لم يدعوا لمن سواهم مكانا يضعون فيه حقائبهم!!
ولكن الذي يعزينا ويسرنا في هذه السفرة الموحشة وجود رفيق طريق معنا يدعى الكابتن ديمينيس من أهل (كرسي). ولقد كان هذا لمدة قريبة ربان هذه السفينة بالذات التي تدعى باسم الموصل ، وبقي يشغل هذا المنصب مدة طويلة حتى كان أن فضل عليه عملا آخر في بغداد منذ ما يقرب من عام.
ولقد قص علينا هذا الرجل الشجاع قصته الطريفة مع الترك الشياطين كما يأتي :
منذ سنة تقريبا فكّر أولياء الأمور العثمانيون أن يعاملوا المقاولين والمتعهدين مثل معاملتهم لموظفيهم الصغار القاسية وأن يقطعوا عنهم رواتبهم أو ما يستحقونه مما في ذمة الدولة العلية.