١٣ ـ ديسمبر :
عند ما أرتقي السلّم المتهدم للمنائر سواء منها القصيرة أو الطويلة لا يلفت نظري شيء. ذلك لأنه يضيق نفس المرء في تلك الأحوال ويصاب بالزكام. وبعد أن يصعد أربعمائة أو خمسمائة درجة (١) يصل إلى قمة السطح وهناك يتعرّض للهواء البارد ، وفي أقصى درجات الخوف والهلع ينقل بصره في المشاهد التي تترامى أمامه وهي لا تعدو مناظر سطوح الدور التي تعلوها المداخن وقطع من أراض معشوشبة خضر وصحارى رمادية قاحلة يستخفى عندها كل شيء .. ولكم تكون هذه المناظر باعثة على الضجر والقرف لمن أتيح له أن يتمتع بمناظر الجبال الشاهقة والبحار الزرق البعيدة ..
وعلى أي حال وبعد لأي ونصب شديد يهبط المرء ، والشيء الوحيد الذي يسره في تلك الحالة هو أنه استطاع أن يضع رجله على الأرض مرّة ثانية ، ويتخلّص من الكابوس الذي كان جاثما على صدره!!
تذكرت كل ذلك وأنا أرتقي خرائب قصر طيسفون على يدي ورجلي وألقى في ذلك الأمرّين فترحمت على الأتعاب التي كنت ألقاها في صعود تلك المنائر ..
أنا الآن في محل يرتفع عشرين مترا عن سطح الأرض وعلقت نفسي برواق مظلم ليس فيه سوى الخفافيش والطيور أي لا يوجد غير سكنة هذا المكان المقفر من تلك الحيوانات ..
وأخيرا وبتعب شديد استطعت أن أواصل نفسي إلى السطح وأرى هذا القصر التاريخي العظيم من أعلى بعد أن رأيته من أسفل.
من هذا المكان المرتفع أستطيع أن أرى بادية ممتدة يشقها نهر دجلة من الوسط. وبواسطة المنظار الصغير الذي أحمله معي في الرحلات لا أستطيع أن أرى مكان مدينة طيسفون القديمة التي يضرب فيها أفراد من القبائل العربية
__________________
(١) أرادت بالدرجة الآجرة أو الآجرتين. «المترجم»