الضعيفة منهم الى أعدائهم البارثيين الأشداء ليحكموا فيما بينهم من الخلافات والنزاع ، أو لكي يعينوهم على خصومهم السياسيين في الداخل. وكان هذا سببا في تدهور مدينة سلوقية العظيمة رويدا رويدا وانحطاطها وسقوطها ، على أنه في زمن مارك انطونيو (١) أحرق لوسيوس وروس (٢) المدينة ـ على خلاف المعاهدة المعقودة ـ وذلك بعد أن أباح جنده النهب والسلب والقتل .. وأدهى من ذلك أن أهالي المدينة ما كادوا يتجرعون صاب تلك المآسي والمحن حتى دهمهم وباء الطاعون فحصدهم حصدا ، وانقلبت سلوقية من تلك الحالة الزاهرة إلى حال لا تحسد عليها البتة من الفقر والعوز والخراب ولم تستطع أن تقف على رجليها منذ ذلك اليوم.
ولقد تصرّف سورا (٣) بها مدة وفي النهاية ضمّها الاسسانيون إلى امبراطوريتهم فعادت مرّة أخرى إحدى الضواحي التابعة لطيسفون ..
واليوم لم يبق من آثار مدينة سلوقية هذه شيء سوى كثيب من الرمل ، وإن الأراضي الزراعية العامرة التي كانت تحت إمرتها حوّلت إلى مناطق بور أو مستنقعات!!
وعلى أي حال .. بدأت الشمس تجنح إلى المغيب لذلك اضطررنا إلى أن نصرف النظر عن مشاهدة جزئيات آثار طيسفون وتوابعها وأن نعجل في العودة إلى الضفة لنأخذ مكاننا في السفينة كما اتفقنا مع قائدها.
ولقد كانت عودتنا من طريق ضيق شقه اللصوص والسراق إلى هذه الخرائب التاريخية وكان مملوءا بالأشواك وأعشاب الأهوار والمستنقعات ولقينا الأمرّين في العبور خلالها إلى ضفة النهر.
وبمجرّد أن اختفت الشمس وراء الأفق وحرمتنا أشعتها الضعيفة الواهنة
__________________
(١) أحد أصدقاء قيصر الروم المحاربين استطاع أن يفتح فتوحات واسعة ولكنه أخيرا حوصر في الاسكندرية واضطر إلى الانتحار (٨٣ قبل الميلاد).
(٢) أحد قياصرة الروم (١٣٠ ـ ١٦٩).
(٣) امبراطور الروم سنة (٢٠٨ ـ ٢٣٥).