ولا أدري أين أضع الزوارق التي ذكرها «هردوت» (١) في كتابه التاريخي بين وسائل النقل هذه التي ذكرتها فيما سلف؟
خلال أيام سفرتي من البصرة إلى هنا استطعت أن أجد وقتا أقضيه بالمطالعة وأن ألمّ بطرز الملاحة على أيام البابليين في هذا النهر. ولكم تعجبت من الخطأ الذي وقع فيه بعض الكتاب من عدهم القفص الذي شرحه «هردوت» زورقا اعتياديا لا يختلف عن الزوارق الأخرى.
وإنني أستطيع أن أثبت ادعائي هذا من غير أن احتاج لكثير استدلال أو إزجاء وقت طويل! لأن هردوت نفسه يقول ما نصّه : «يستخدم البابليون في الهبوط من أعالي نهر دجلة إلى المدينة وسائط نقل دائرية مقعرة تصنع من أغصان وجذوع أشجار الصفصاف التي تكثر في بلاد الأرمن وأعالي المدن الآشورية على شكل الأقفاص المدورة .. ويغطى عادة سطح هذه الوسائط من الخارج بجلود الحيوانات. وهذه الزوارق تشبه الدروع الدائرية التي تستخدم في الحروب. وتوضع تحت هذه الزوارق القرب والجلود وتحمل البضائع التجارية. وجلّ هذه هي دنان الخمر الفخار ـ الخمر المصنوعة من التمور ويقف في هذه الزوارق عادة شخصان يسيرانها بمجاذيف في أيديهما بالتناوب وبحركة دائبة!
وهذه الزوارق منها أحجام وأنواع مختلفة وأكبرها يستطيع حمل ما يزن خمسة آلاف تالان (٢) وبعد أن تصل هذه إلى المدينة يبيع أصحابها البضائع المحمولة كما يبيعون ألواح الخشب ومن ثم يعودون إلى أمصارهم على ظهور الدواب وهم لا يحملون مما كان معهم غير القرب ، ذلك لأنهم لا يستطيعون أن يعودوا بزوارقهم تلك بعكس اتجاه مجرى النهر السريع ، لذا نراهم يصنعون زوارقهم من جلود الحيوانات وبمجرد وصولهم إلى بلادهم ـ أرمنستان ـ
__________________
(١) مؤرخ يوناني عاش قبل الميلاد.
(٢) Talent من المقاييس اليونانية القديمة ويقابل كل منها ٢٥ كيلوغرام. وكان هذا يستعمل في العملات أيضا إذ كان تالان ذهب يقابل عشرة أضعاف ـ عشر تالانات ـ من الفضة. «المترجم»