الفصل يروق الجو فلا مطر غزيرا ولا برد قارسا ولا حر جهنميّا لا يطاق. لذلك نرى العوائل المترفة والأوروبيين يستفيدون من رقة الجو هذه فيخرجون إلى البادية ويضربون بخيم في خرائب طيسفون وسلوقية ويتلهون بصيد الظباء والطيور فإنها تكثر في تلك المناطق. ومن الطبيعي أن الخروج للصيد ليس أمرا سهلا مأمون العواقب ولا سيما إذا كان بواسطة رماح يهجمون بها على الحيوانات الخطرة هذه ، والأرض كثيرة اللخاقيق (١) التي أحدثتها الجرذان البرية. وهذه الأخطار تهدد الأوروبيين من هؤلاء أكثر ممن سواهم وذلك لأنهم لم يتمرّسوا على مثل هذه الأحوال.
ويحظر على النساء أن يشاركن في صيد الحيوانات الخطرة مع الرجال بيد أنه يسمح لهن أن يصيدن من الطيور التي تكثر على ضفاف نهر دجلة في خلوات بعيدة عن الأنظار ..
الآن ـ وبعد كل ما تقدم ـ نستطيع أن نقدر عذاب وآلام الموظفين المساكين الذين حكم عليهم بأن يسكنوا في مثل هذه المملكة. وهؤلاء المساكين قد اعتادوا هذه الحياة القاسية اليوم ولكنهم صدموا بواقع بغداد صدمة عنيفة بعد ما كان من قرائتهم عنها في كتاب ألف ليلة وليلة!!
١٥ ـ ديسمبر :
مع أني كنت أتعجّل حلول الليل لكي أخلو إلى مخدعنا وأنام ملء عيني .. فلا أدري ما الذي حدث عندما أخفيت نفسي بين الأغطية البيض النظيفة وتمدّدت على السرير المريح للنوم .. إذ كلما حاولت أن أغمض عيني ذهبت محاولتي عبثا دون جدوى. حتى أحسست أني أكاد أختنق ..
ولعلّ مردّ ذلك أن جسمي الذي تمرّس على المصاعب والمشاق لم يعد يحتمل نعومة هذا الفراش ولين هذه الأغطية!
__________________
(١) اللخاقيق جمع اللخقوق وفي الحديث «فوقصت به ناقته في لخاقيق جرذان» وهي شقوق في الأرض. «المترجم»