وتشاء اهواؤها ومصالحها ثم كان أن دخلها الشاه إسماعيل الصفوي لإخراج المغول منها. وعقب ذلك سلسلة من الحروب المستعرة وقعت بين الفرس والعثمانيين حول الاستيلاء على بغداد وكان احتلالها يتم بالتناوب بينهما ، وأخيرا تمّ الأمر فيها للعثمانيين وأصبحت ولاية من ولايات امبراطورية الرجل المريض بغير زيادة أو نقصان! وأخذ الباشات في حكمها حتى كان أن شق أحدهم عصا الطاعة على الحكومة المركزية وسلّم المدينة إلى شاه عباس الكبير سنة ١٦٢٤ م (الصواب ١٦٢٢ م ١٠٣٢ ه).
وعند ما بلغ نبأ تسليم ثاني مدينة عثمانية أي بغداد القسطنطينية ثار هرج ومرج شديدان بين الناس واضطرت الدولة من أجل تهدئة الرأي العام أن تجيش الجيوش وترسلها إلى بلاد ما بين النهرين ولكن هذه الحملات العسكرية لم تأت بنتيجة تذكر حتى صرفت النظر عن استرداد بغداد.
ولكن بعد مضي عدّة سنين قامت الدولة العثمانية بإعادة بلاد ما بين النهرين إلى ممتلكاتها عودا على بدء وذلك بتحريك أحد الدراويش. وتذكر السنة ذلك بقولها إنه في أحد أيام الجمع دخل درويش كان قد أقبل حديثا من العراق ، إلى المسجد الذي يصلي فيه السلطان مراد وطلب مقابلة السلطان. وما إن أدخل عليه حتى صاح في وجهه وهو يرتجف لشدّة تأثره : «أي خليفة (النبي) غير اللائق ، إنك تخفي نفسك بين حراسك وبين حريمك وتشغل نفسك بالأنس والطرب والناس الأشرار يتزايدون في ملكك الموروث ويضغطون على المؤمنين الصالحين من أهل ملتك .. أو علمت أن الشيعة قد هدموا قبر الشيخ عبد القادر»! ويضيف هؤلاء إلى قولهم إن السلطان تأثر كثيرا بأقوال هذا الدرويش وأقسم بأغلظ الأيمان في تلك اللحظة ليستعيدن بغداد من أيدي الفرس وينشئ مجدّدا قبرا لهذا الرجل المقدّس يليق بمقامه. وبالفعل قام بما أقسم في السنة التالية ، فجهز جيشا كبيرا وسار به إلى بغداد حتى وصل إلى حدودها بعد تسعة عشر يوما (١) وحاصرها. وكان أول ما قام به بعد ذلك هو أن
__________________
(١) وهذه من المبالغات أيضا ، فستذكر بعد ذلك أن الراهبات يقطعن ما بين بيروت