يعتقد جماعة من ساسة أوروبا المحنكين! أنه من الممكن نقل الحضارة الغربية الجديدة إلى الشرق والعمل على تمدينه وتلقيحه بمبادئ هذه المدنية المادية الحديثة في شتى مرافقه ولا سيما في شكل حكومته ..
ولكن أي اعتقاد خاطئ هذا .. إن ماكنة حضارتنا نحن اليوم معقدة بحيث لا يستطيع القيام بها شعب من شعوب الشرق الجاهل الساذج هذا. إن العادات والقواعد الأوروبية تستطيع أن تعمل على ترقية وتقدم البلدان الشرقية بل ينبغي علينا أن نوجد لهم مبادئ أخرى نستخلصها من روحيتهم وميزاتهم النفسية عندئذ تكون سياستنا نحوهم ناجعة ومفيدة. ولأضرب لكم مثلا قريبا فنظام الحكم والإدارة في إيران اليوم هو كما كان في السابق على أيام ملوك الطوائف ومن سبقهم ، أما في تركيا فالنظام مستمد من نصوص ومبادئ اوروبية .. وهل تصدقون بعد ذلك ان الحكومة المنشأة على آخر طراز في تركيا أي التي لها محاكم منظمة وجيش عرمرم من الشرطة وقوات الأمن لا تستطيع أن تحافظ على الأمن والنظام بقدر ما تستطيعه حكومة إيران (البسيطة) كما يحلو للبعض أن يقولوا .. الحكومة التي ليس لديها تشكيلات الحكومة التركية الحديثة!
إن تقليد الحضارة لا يجدي نفعا أيها السادة المحنكين بل يجب أن ننعم التفكير أكثر من ذلك ونعمل بما توحي إليه مصلحة تلك الشعوب ..
وإنني أؤكد بأن رأي زوجي في أوضاع تركيا المتردية تلك لم يكن من باب الحدس أو العاطفة أو التفكير المرتجل السريع ، بل إنه مبني على دلائل وبراهين لا تقبل الرد. وينبغي لنا ألا تخدعنا المظاهر فنأخذ بها ونعدها شواهد حضارة ومعالم مدنية كالعمارات الضخمة والأبنية المزوقة في القاهرة (؟) واسطنبول أو اي مدينة تركية أخرى. فتلك لم تكن غير مظاهر مزيفة براقة لحقيقة مؤلمة لا تستطيع أن تخفيها على أي حال أمثالها عن الأنظار أو الأذهان. وقد تكون تلك مظاهر قام بها ولاة الأمور العثمانيون ، أما خوفا من الفرنسيين أو الانكليز وإما تلبية لرغبة من رغباتهم بعد أن أخذت دعوتهم لها بالأخذ بمبادئ الحضارة الأوروبية لهجة التهديد والإنذار!