وأيّا كان الأمر فإذا ما أراد إنسان أن يعرف حقيقة أوضاع تركيا اليوم وفساد حكومتها ينبغي له أن يذهب إلى الأصقاع البعيدة من أراضيها كمدينة بغداد التي تعد عاصمتها الثانية ليطلع على الجهاز الحكومي الفاسد المرتشي الظالم لا أن يبني حكمه على المدن القريبة من أوروبا ..
لقد أفلس أحد المصارف الكلدانية في الموصل سنة ١٨٨٠ وعند مراجعة دفاتره وجد أن أحد موظفي الكمرك الصغار قد استطاع براتبه القليل أن يدخر أو يجمع في هذا البنك مبلغ ستمائة ألف فرنك ، وهو ما كان يتقاضاه من رشوة خلال أداء أعماله الرسمية طبعا!! ومن البديهي أن هذا الرقم ليس مهمّا وكبيرا بالنسبة لما يحصل عليه الموظفون الكبار أو المديرون عند ما يشاركون في صفقة من الصفقات غير المشروعة أو في الأعمال التي تعرض عليهم بصورة دائمة ويرتشون فيها!
فمثلا أنشأ أحد رؤساء الإدارات بناية عامة مرتين بعد أن أحرقها في المرة الأولى ، وأغرب من ذلك أنه لم يضع أساسا لها. ولقد حصل بهذه الطريقة الشيطانية على المبالغ الكبيرة التي خصصتها الحكومة لتصميم هذه البناية الرسمية!!
وقواد الجيش كثيرا ما يفتخرون بسفرات حربية غير حقيقية يقومون بها ليتقاضوا عنها مبالغ كثيرة. وأخيرا سار الضباط الكبار الترك بجيش لا وجود له من بغداد! إلى بعض الأصقاع ، وبعد فترة قليلة أخبروا الباب العالي بأنه أبيد عن بكرة أبيه ـ أي الجيش ـ ولقد قام هؤلاء الضباط بهذه المعركة الحربية غير الواقعية!! لتغطية ما كادوا يتعرضون له من فضيحة بيع أسلحة كثيرة هي عتاد جيش كامل والتصرف براتب جنده لا لشيء غير ذلك!!
وأنكى من كل ذلك أن المسؤولين الكبار في اسطنبول والزعماء الدينيين الذين هم موضع ثقة واعتزاز الطبقة النيرة الواعية في هذه البلاد يتزوجون عادة بنات شيوخ القبائل المنشقة والعاصية ، وعندما تسير الجيوش إليها لإخضاعها يخبر هؤلاء الحكام الكبار والزعماء البلديون رؤساء تلك القبائل الذين هم أصهارهم بصورة سرية لكي يتهيؤوا للدفاع عن أنفسهم أو الفرار!! وكثيرا ما