السبب أيضا أخذ تعداد نفوسهم يقل يوما بعد يوم!
وعلى أي حال ، كتبت اليوم أكثر من اللازم في الفلسفة والتفلسف؟ ولكن ما ذا أصنع وأحوال هذه البلاد المتردية قد دفعتني دفعا إلى ذلك العمل وأرجو معذرة القارئ (١) ..
منذ وطئت قدمي أرض هذه البلاد ـ العراق ـ كنت أرى في كل خطوة أخطوها أن جراح هذا الشعب أعمق وأخطر من السابق .. وعندما أقيس ثروة وعظمة البابليين في القرون الماضية إلى فقر وانحطاط هذا الشعب الآن أدهش وينقبض صدري وأتألّم. كيف يمكن ألا يتألم الإنسان من مشاهدة تبدل الأراضي التي تحيط ببغداد إلى صحارى قاحلة لا ينبت فيها إلّا الشوك؟ في هذه الأرض بعينها في الزمن القديم ـ على حد قول هردوت ـ كانت الحبة الواحدة من الحنطة تنتج في الأقل ثلاثمائة حبة وكان عرض أوراق الحنطة والشعير يصل إلى أربع أصابع!!؟ فما الذي حدث لتلك المزارع الغنية تلك التي كانت تنتج من الذرة والسمسم مقادير كبيرة بحيث تدهش الجميع وتأخذ بألبابهم ، وهي التي يقول هردوت في ارتفاع سيقان مزروعاتها أنها كانت عالية بحيث خاف على نفسه الاختناق بينها!
وهل التقصير مني؟ أن أخرج من دار القنصلية وأرى في كل خطوة أخطوها ما يبعث على القرف والألم من ظروف تركيا الآسيوية المتردية؟ وماذا في يدي ونفسي تذوب أسى لتلك المشاهد السود؟!
عند عبورنا من البصرة رأينا سفينة مسلحة قد تركت .. لماذا؟ لأن مروحتها مختلّة بعض الشيء! أجل لقد تركت تلك السفينة التي ثمنها عدّة ملايين من الفرنكات في الأوحال والطين ، ولم يجشم أحد من المسؤولين نفسه أمر إصلاحها ولا سيما أن اختلالها ليس بالمهم الصعب ولا يكلف إلّا عشرات أو مئات الفرنكات؟!. وفي هذا اليوم ركبنا من الضفة اليمنى من نهر
__________________
(١) إن هذه الخيالات قد ألهمها إياها مترجمها الإيراني لغاية في نفسه وهي لا تعلم صدقه من كذبه لأنها تجهل عقائد المسلمين.