الجهة الأخرى بعد أن يتركها الركاب. وهذه العملية تتم في دقائق ثقيلة وبجهد جهيد يبذله أولئك المساكين. ولما كانت المسافة بين بغداد والكاظمين لا تتجاوز الفرسخ الواحد كان من المنتظر أن يقطعها الترامواي في ربع ساعة أو عشرين دقيقة ولكن عملية النقل هذه لا تنتهي إلّا في أكثر من ربع ساعة يقضيها الركاب في انتظار مرّ .. لذلك يفضل بعضهم أن يقطع المسافة الباقية مشيا على الأقدام ، في حين أنه من الممكن إصلاح هذه القطعة ورفع السكة الهابطة في ساعة أو ساعتين بواسطة أولئك الحمالين أنفسهم.
وتستطيع أن تقدر من خلال هذه الحادثة أوضاع هذه البلاد المتردية ودرجة عدم مبالاة المسؤولين للأمور العامة.
يلاقي أهالي بغداد الأمرّين من هذا الترامواي المتواضع بحيث إنه لم يلاق الفرنسيون في حفر قناة السويس أو الامريكيون في مد الخطوط الحديد من أقصى قارتهم إلى أقصاها .. من نيويورك إلى سان فرنسسكو مثله.
ولقد أنشأ هذا الطريق الحديد الذي لا يتجاوز طوله ستة كيلومترات مدحت باشا والي الترك على العراق. والواقع أن هذا الرجل قد انفرد بين الولاة العثمانيين المولين على هذه البلاد بإصلاحات جمة ومفيدة فيها. ولكنه على رغم ذلك كانت تعوزه بعض المهارة في تنفيذ مشاريعه الإصلاحية وإخراج أفكاره إلى حيز الوجود .. ولأضرب لكم مثلا! فالمهندس الذي استعان به ليصمم خريطة إنشاء هذا الطريق الحديد قال له إن للنهر بين هاتين المدينتين عواقيل ومنعطفات كثيرة ، فلا يمكننا والحالة هذه أن نشق طريقا مستقيما يصل بين المدينتين إلّا إذا أقيم جسر على النهر .. ووافق الوالي على الفكرة في البدء ولكنه عاد وعارض إنشاء الجسر لخوفه من كثرة تكاليفه الباهظة ، وفضّل أن يكون الطريق معوجا ملتويا في طريق ضيق مترب تسير فيه الدواب والحيوانات وأن يهدم بساتين الليمون ومزارع النخل وحقول الحبوب؟! لا لشيء سوى خوفه من أن تكون تكاليف هذا الجسر باهظة وكثيرة؟!
ولما بقي من أشجار تلك البساتين منظر خلّاب جميل أخذ بمجامع قلبي